للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَمْلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْقُولِ الْمُزَنِيِّ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَّلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِمَّنْ حَكَيْنَا حِكَايَةُ طَرِيقَيْنِ، وَلَا قَوْلَيْنِ، وَلَا وَجْهَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ صُورَتَيْ الْمُكَاتَبِ، وَلَا غَيْرِ الْمُكَاتَبِ بَلْ إنْ جَرَى الشَّرْطُ فَسَدَ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَيَصِحُّ فِيهِمَا، وَالطَّرِيقَانِ الْمَحْكِيَّانِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ إنَّمَا هُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَحْثِ مَعَ الْمُزَنِيِّ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ نَقْلُ الْمُزَنِيّ تَرَدُّدٌ، أَوْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى تَغْلِيطِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا عَلَّقَ الْإِبْرَاءَ عَلَى الْأَدَاءِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْعَبْدُ إنْ قَدَّمَ الْأَدَاءَ، وَشَرَطَ الْإِبْرَاءَ بِالْأَدَاءِ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ مَوْضِعَ التَّرَدُّدِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَبْدُ بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ بَاطِلٌ فِي الْحَالِ لَكِنْ لَوْ أَبْرَأَ السَّيِّدُ فَيَرْضَى الْعَبْدُ بِدَوَامِ يَدِ السَّيِّدِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ، وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ رِضًا آخَرَ أَمْ يُقَالُ كَانَ بِرِضًا يَقْتَضِيه عِنْدَ الْإِبْرَاءِ، وَالْآنَ قَدْ تَحَقَّقَ الرِّضَا، قَالَ: وَلَعَلَّ الصَّحِيحَ أَنَّ دَوَامَ الْقَبْضِ كَابْتِدَائِهِ، وَأَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ الرِّضَا كَافٍ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ. قُلْت: وَتَنْزِيلُ الْغَزَالِيِّ مَنْقُولَ الْمُزَنِيِّ عَلَى هَذَا خُرُوجٌ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي دَلَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ فَجَرَى إبْرَاءٌ صَحِيحٌ، وَالْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ هَلْ يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْأَدَاءُ صَحِيحًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِفَسَادِهِ مِنْ غَيْرِ رِضًا جَدِيدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رِضًا جَدِيدٍ فَيَصِيرُ بِهِ اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ كَابْتِدَائِهِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْوَسِيطِ، وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ تَفَقُّهًا لَا نَقْلًا، وَتَنْزِيلُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ بَعِيدٌ لِمَا بَيَّنَّا ذِكْرَهُ، أَمَّا الْفِقْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنَازِعَ فِي ذَلِكَ إذَا جَرَى إبْرَاءٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لَهُ فَيُقَالُ: إنْ جَرَى الْإِبْرَاءُ كَمَا صَوَّرْنَا فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ، وَجَرَى إبْرَاءٌ مُبْتَدَأٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ اعْتَقَدَ السَّيِّدُ فَسَادَ الشَّرْطِ فَهُوَ صَحِيحٌ قَطْعًا، وَإِنْ ظَنَّ صِحَّتَهُ، وَأَتَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ رَهَنَ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ وُجُوبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ صَحِيحٌ إمَّا قَطْعًا، أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَأْتِي مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ رِضَاءً جَدِيدًا كَفَتْ الِاسْتِدَامَةُ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَتَجَدَّدْ رِضًا فَهَلْ نَكْتَفِي بِالرِّضَا السَّابِقِ، أَوْ لَا؟ احْتِمَالَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ الِاكْتِفَاءُ، وَيَنْزِلُ مَنْقُولُ الْمُزَنِيِّ عَلَيْهِ، وَيَنْزِلُ النَّصُّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ، وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ يَنْبُو عَنْ هَذَا التَّنْزِيلِ.

فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ بَلْ اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ إبْرَاءٌ صَحِيحٌ أَمَّا كَوْنُهُ الْوَاقِعَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ، أَوْ مُبْتَدَأٍ فَلَمْ يُثْبِتْهُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>