نِصْفَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُعَبِّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَعْنَاهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُحْتَمِلَةً لَهَا فَالرِّوَايَةُ بِمَعْنَى شَرْطِهَا الْمُطَابَقَةُ فِي الْجَلِيِّ، وَالْخَفَاءِ، أَمَّا الشَّهَادَةُ فَلَا يَجُوزُ، وَيُحْتَاطُ فِيهَا أَكْثَرَ مَا يُحْتَاطُ فِي الرِّوَايَةِ.
وَعَدَالَةُ الشُّهُودِ، وَضَبْطُهُمْ يَمْنَعَانِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، وَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَمَا قُلْنَا عَنْ الْمُتَوَلِّي. فَإِنْ قُلْت: قَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ فِيمَا إذَا قَالَا: ضَمِنَّا، وَالصُّورَةُ كَهَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا إلَّا النِّصْفَ، وَسَاعَدُوا الْقَاضِيَ الْمَذْكُورَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ، وَصَوَّبُوهُ، وَهُمْ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا، وَلَهُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا مَعْصُومًا مِنْ الْخَطَأِ، وَالزَّلَلِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُسَامَحَةَ، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا أَنْ نَبْذُلَ الْجَهْدَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ لِيَصِلَ إلَيْهِ، وَتُصَانَ أَحْكَامُ اللَّهِ عَنْ التَّغْيِيرِ، وَتَجْرِيَ عَلَى مُقْتَضَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، فَإِنْ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِذَلِكَ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَإِلَّا فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ عَمَّا عَسَاهُ يَكُونُ مِنَّا مِنْ التَّقْصِيرِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ أَخْرَجُوا مِنْ كِتَابِ الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ نَقْلًا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْته، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ ضَمِنُوا أَلْفًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا ثُلُثُ الْأَلْفِ إلَّا أَنْ يَقُولُوا: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَامِنٌ لِجَمِيعِهَا.
قُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْف يَكُونُ مَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى فَتْوَى، وَكَلَامٍ فِي عِلْمٍ يَتَمَسَّكُ فِي مُعَارَضَةِ مَا قُلْته فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَنَحْنُ فِي وَادٍ، وَهُوَ فِي وَادٍ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ كَانَ لَنَا عَمَّا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ جَوَابَانِ آخَرَانِ سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْكَلَامِ. وَصَاحِبُ الْبَحْرِ غَيْرُ مُنْفَرِدٍ فِي ذَلِكَ بَلْ تَقَدَّمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا رَهَنَ دَارًا بِأَلْفٍ، وَأَقْبَضَهُمَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ اسْتِدْلَالًا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ كَالْبَيْعِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ كَالضَّمَانِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ ضَمِنَا أَلْفًا عَنْ كُلٍّ كَانَتْ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكُونُ الْأَلْفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ: أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الضَّامِنَيْنِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَيْنِ كَالْعَاقِدَيْنِ فَلِذَلِكَ يُبَعَّضُ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ إذَا كَانَ فِي عَقْدَيْنِ كَانَ مُتَبَعِّضًا كَالضَّامِنَيْنِ، وَأَمَّا الْعَقْدُ الْوَاحِدُ فَهُوَ كَالضَّامِنِ الْوَاحِدِ انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ لَعَلَّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّقْلِ عَنْ الْمَذْهَبِ فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَجَابَ الْأَصْحَابُ، ثُمَّ بَعْدَ وَرَقَةٍ تَكَلَّمَ فِيمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَرَهَنَهُمَا، وَالطَّرِيقَةُ الْخِلَافُ فِي انْفِكَاكِ أَحَدِهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ، أَوْ ضَمَانٌ إنْ قُلْنَا: عَارِيَّةٌ لَمْ يَنْفَكَّ، وَإِنْ قُلْنَا: ضَمَانٌ انْفَكَّ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَتَخَرَّجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute