للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا صَوَّرْته، وَحَضَرَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَضَمِنَا فِي ذِمَّتِهِمَا مَا فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ الْمَذْكُورِ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ غَابَ الْأَصِيلُ، وَأَحَدُ الضَّامِنَيْنِ فَطَالَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الضَّامِنَ الْآخَرَ بِجُمْلَةِ الْمَبْلَغِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَخَمْسُمِائَةٍ فَأَعْطَاهَا لَهُ ثُمَّ بَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ قَالَ شَخْصٌ لِلدَّافِعِ: إنَّك مَا يَلْزَمُك إلَّا نِصْفُ الْمَبْلَغِ فَتَرَافَعَ هُوَ، وَالْقَابِضُ إلَى نَائِبِ حُكْمٍ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا النِّصْفُ، وَأَلْزَمَ الْقَابِضَ بِإِعَادَةِ النِّصْفِ إلَى الدَّافِعِ فَأَعَادَهُ بِأَمْرِهِ فَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ صَوَابٌ، أَوْ لَا، وَهَلْ الْوَاجِبُ عَلَى الضَّامِنِ الدَّافِعِ جُمْلَةُ الدَّيْنِ، أَوْ نِصْفُهُ، وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ مُبَيَّنًا بِنَقْلِهِ، وَدَلِيلِهِ؟

(الْجَوَابُ) لَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ بِصَوَابٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ، وَالدَّفْعُ الَّذِي دَفَعَهُ الضَّامِنُ صَحِيحٌ، وَاَلَّذِي كَانَ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَبِدَفْعِهِ حَصَلَتْ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ، وَالضَّامِنِ الْآخَرِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْقَاضِي إعَادَةُ مَا اسْتَعَادَهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يُطَالِبَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَصِيلَ، وَلَا الضَّامِنَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُمَا بَرِئَتْ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ وَإِعَادَتُهُ بِهَذَا الْحُكْمِ خَطَأٌ لَا يُعِيدُ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَلَا مُطَالَبَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الضَّامِنِ الْآخَرِ أَصْلًا، وَلَا عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا لِلضَّامِنِ الدَّافِعِ إنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ اللَّازِمَ لِكُلٍّ مِنْ الضَّامِنَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ جَمِيعُ الدَّيْنِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَسْطُورَةٌ فِي كِتَابِ التَّتِمَّةِ لِأَبِي سَعْدٍ الْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الضَّمَانِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ قَالَ: الْخَامِسَةُ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ دَيْنٌ مَعْلُومٌ فَحَضَرَ رَجُلَانِ، وَقَالَا ضَمِنَّا مَالَك عَنْ فُلَانٍ هَلْ يُطَالَبُ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَمْ لَا فِيهِ، وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُطَالَبُ كُلُّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ: اشْتَرَيْنَا عَبْدَك بِأَلْفٍ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْأَلْفِ، وَالثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطَالَبُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ فَقَالَا: رَهَنَّا الْعَبْدَ بِالْأَلْفِ الَّذِي كَانَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَيَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَيُخَالِفُ الشِّرَاءَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمِلْكِ فَبِقَدْرِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمِلْكِ يَجِبُ الثَّمَنُ، أَمَّا هَهُنَا فَمَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلِهَذَا لَوْ ضَمِنَ كُلَّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ صَحَّ، وَطُولِبَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ.

انْتَهَتْ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهِيَ نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْطُورِ أَنْ يَقُولَا: ضَمِنَّا، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِنَقْلِ وَجْهَيْنِ فِيهَا، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا لُزُومُ كُلِّ الدَّيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا أَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالَ: ضَمِنْت مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْجَمِيعِ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الصَّادِرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمِنْت

<<  <  ج: ص:  >  >>