للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ كَانَ الْمَجْمُوعُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى فَرْدٍ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ضَمَانِ مَجْمُوعِهِمَا لِمَجْمُوعِ الْأَلْفِ ضَمَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهَا فَيَسْقُطُ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا مَأْخَذُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُهُ كُلَّ فَرْدٍ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَحَقُّ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ مَحَلَّ الْخِلَافِ، وَأَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ، وَجَدَهُ عَنْ قَائِلِهِ فَنَقَلَهُ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى خِلَافِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ تَبِعَ فِيهِ الْبَنْدَنِيجِيَّ وَالْمَاوَرْدِيَّ، أَوْ لَعَلَّهُ تَفَقَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْخِلَافِ، وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَدْ أَتْقَنَ الْمَسْأَلَةَ، وَنَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَجْهَيْنِ، وَصَحَّ فَكَيْفَ يُعَارَضُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الرُّويَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فُرُوعًا عَنْهُ، وَعَنْ أَبِيهِ، وَجَدِّهِ مِنْ تَفَقُّهِهِمْ لَا نَقْلَ فِيهَا، وَهَذَا وَجَدَهُ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا.

وَبِالْجُمْلَةِ كَلَامُ التَّتِمَّةِ صَدْرُهُ فِيمَا إذَا قَالَا: ضَمِنَّا مَالَك مِنْ الدَّيْنِ، وَهِيَ مَسْأَلَتُنَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الرُّويَانِيُّ، وَالْوَجْهُ فِيهَا لُزُومُ كُلِّ الدَّيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا عَلَى الصَّحِيحِ عَلَى مَا فِي التَّتِمَّةِ، وَإِمَّا قَطْعًا لِمَا سَبَقَ، وَلِمَا ذَكَرَهُ لَمْ أَجِدْ فِي ذَلِكَ نَقْلًا لِغَيْرِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لَا مِنْ الْبَحْرِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَآخِرُ كَلَامِ التَّتِمَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا مَا فُرِضَ فِي الْأَلْفِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَرَّرَ أَوَّلَ كَلَامِهِ، وَآخِرَهُ فَيَكُونُ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ، وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْأَلْفِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ فِي الضَّمَانِ الَّذِي فِي لَفْظَةِ إمَّا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَيَكُونُ ذَلِكَ غَايَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي لَفْظَةِ " مَا " فَفِي لَفْظَةِ " الْأَلْفِ " أَوْلَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَلْفِ خَاصَّةً، وَأَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ عَبَّرَ عَنْهَا فِي صَدْرِ كَلَامِهِ بِلَفْظَةِ " مَا "، وَاعْتَقَدَ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهَا أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ الْقَطْعُ فِيهَا بِلُزُومِ الْجَمِيعِ، وَأَيْنَ مَنْ يُحَرِّرُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ، أَوْ يَفْهَمُهَا، فَإِنْ قُلْت: الْعَوَامُّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعَوَامّ فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ فِيهِمْ؛ وَلِهَذَا إذَا جَاءَ الضَّمَانُ إلَى الشُّهُودِ مَعَ الْمُقِرِّ بِالْأَلْفِ تَارَةً يَقُولُونَ: ضَمِنَّا مَا فِي ذِمَّتِهِ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: ضَمِنَّا الْأَلْفَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ، وَيَكْتُبُ الشُّهُودُ الْحَالَتَيْنِ أَنَّهُمْ ضَمِنُوا مَا فِي ذِمَّتِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَأَنَّ نُلْزِمَ الْعَامِّيَّ بِمَا يَفْهَمُهُ مِنْ لَفْظِهِ. قُلْت: هَذَا السُّؤَالُ مَنْشَؤُهُ إمَّا جَهْلٌ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ، وَإِمَّا جَهْلٌ بِالْفِقْهِ، وَتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ لَهُ مَدْلُولٌ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُنْقَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَدْلُولِ، وَيَصِيرَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي غَيْرِهِ كَالدَّابَّةِ فِي الْحِمَارِ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عُدُولًا عَنْ الْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُهُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْلُولَهُ فِي اللُّغَةِ، وَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي نَحْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>