للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ غَيْرَ مَدْلُولِهِ الظَّاهِرِ، وَيَكُونُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِمَا نَوَاهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي بَعْضِهَا، وَلَيْسَ بَحْثُنَا فِي ذَلِكَ، أَمَّا فَهْمُ الْعَامِّيِّ مِنْ اللَّفْظِ شَيْئًا آخَرَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَلَا نَوَاهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ مِنْ الْحَالِفِ بِالْحَرَامِ أَيْشُ يُفْهَمُ مِنْهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِفَهْمِهِ عَلَى نِيَّتِهِ، أَوْ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ فَهْمُ الْعَوَامّ حُجَّةً لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَوْقَافِ، وَلَا غَيْرِهَا مِمَّا يَصْدُرُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّا نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، وَنُجْرِي الْأَمْرَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا لُغَةً، وَشَرْعًا سَوَاءٌ أَعَلِمْنَا أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ ذَلِكَ أَمْ جَهِلَهُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ الْتَزَمَ حُكْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ تَفَاصِيلَهُ حِينَ النُّطْقِ بِهِ، وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ لَمَّا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَلْزَمَهُ الشَّارِعُ بِحُكْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُحْصَى، وَكُلُّ مَنْ يَسْتَفْتِينَا فَإِنَّمَا نُفْتِيه عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهِ، وَإِنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ ثُبُوتَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَاطَهَا بِتَصَرُّفَاتٍ تَصْدُرُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَأَفْعَالِهِمْ، وَاكْتَفَى فِي الْأَقْوَالِ بِصُدُورِهَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ اللِّسَانِ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا فَهْمَ الْمُتَكَلِّمِ لَمْ يَصِحَّ غَالِبُ مَا يَصْدُرُ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْعُقُودِ، وَغَيْرِهَا لِاشْتِمَالِ أَلْفَاظِهِمْ عَلَى مَدْلُولَاتٍ يَخْفَى عَنْ الْفُقَهَاءِ بَعْضُهَا فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ، وَكَأَنَّ الَّذِي أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَتِرَ بِقَوْلِهِ: فَهْمُ الْعَوَامّ، وَإِنَّمَا هُوَ يَخْفَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَخَفَاؤُهُ عَنْهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَجْعَلُ الْخِلَافَ فِي لَفْظَةِ الْأَلْفِ مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ إنَّ الصَّحِيحَ لُزُومُ الْجَمِيعِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي لَفْظَةِ الْأَلْفِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ أَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّ الرُّويَانِيَّ جَزَمَ بِخِلَافِهِ، وَلَيْسَ يُعْلَمُ مِنْ التَّتِمَّةِ نَقْلٌ فِيهِ، وَأَمَّا الْفِقْهُ فَلِأَنَّ الْبَحْثَ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ضَمِنَّا بِمَجْمُوعِهِمَا، وَالْأَلْفُ مَجْمُوعٌ، وَمُقَابَلَةُ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَفْرَادِ، وَإِذَا احْتَمَلَ، وَجَبَ الْأَخْذُ بِالْمُحَقَّقِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ: إنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْيَقِينِ. قُلْت: أَمَّا النَّقْلُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَنَدَ فِيهِ إلَى نَقْلِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ، وَقَدْ فَرَضَهَا فِي الْأَلْفِ، وَجَزَمَ بِالْجَمِيعِ فِيهَا، وَقَاسَ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ الضَّمَانِ فِي لَفْظَةِ " مَا " فَنَحْنُ نَقِيسُ عَلَيْهَا الضَّمَانَ بِلَفْظَةِ " الْأَلْفِ "؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ ذَلِكَ اقْتَضَاهُ لَا رِيبَةَ فِيهِ، وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ قَدْ قُلْنَا: إنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ تَبِعَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيَّ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَهُ جَوَابَ اسْتِدْلَالٍ يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ، وَمُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى خِلَافٍ أَصْلًا، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ إنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ عَلَيْهَا، أَمَّا الْفِقْهُ فَلِأَنَّا نَقُولُ: صَحِيحٌ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>