أَوْ طَعَامٍ مِنْ غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي النَّهْيِ عَنْ الْكِرَاءِ وَإِطْلَاقِهَا وَلِأَجْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَجَّحْنَا الِاحْتِمَالَ. وَجَوَّزْنَا الْإِجَارَةَ وَلَا نَقُولُ: إنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهَا بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ لَا تُنَافِي الْوَرَعَ، وَإِنْ كَانَ مَنْحُهَا خَيْرًا مِنْهُ، وَالْمُزَارَعَةُ عَلَيْهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ الْعَامِلِ، وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ كَمَا فِي قَضِيَّةِ خَيْبَرَ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَى الْيَهُودِ أَنْ يَعْتَمِلُوهَا فِي أَمْوَالِهِمْ فَهِيَ مُخَابَرَةٌ بِلَا شَكٍّ.
وَالتَّبَعِيَّةُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عِنْدَنَا عَلَيْهَا وَلَمْ تَكُنْ الْأَرَاضِي الَّتِي فِي خَيْبَرَ قَلِيلَةً بِحَيْثُ يَشُقُّ الدُّخُولُ إلَى النَّخْلِ مِنْ غَيْرِهَا فَقَدْ كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ ثَمَانُونَ وَسْقًا، وَمِنْ الشَّعِيرِ عِشْرُونَ وَسْقًا، فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَتَكُونُ الْأَرَاضِي خُمُسَ خَيْبَرَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّبَعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ، وَمَا أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ أَنْ يَجْعَلَا ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّبَعِيَّةِ إلَّا حَدِيثَ رَافِعٍ وَنَحْوَهُ قَدْ حَمَلْنَاهَا عَلَى مَا عَلِمْت وَمَعَ ذَلِكَ فَالْوَرَعُ التَّنَزُّهُ عَنْهَا أَعْنِي عَنْ الْمُزَارَعَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ كَمَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرُهُ فِيهَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَيَتْرُكَ مَا لَعَلَّهُ حَرَامٌ.
فَصْلٌ: مِنْ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَضَاعِيفِ الْحَدِيثِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
(فَصْلٌ) ذَكَرْتُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَصِحُّ غَيْرَ مُوَقَّتَةٍ كَالْقِرَاضِ وَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ قَالَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا حَتَّى أُوَافِقَهُ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ لِاشْتِرَاطِ التَّوْقِيتِ دَلِيلًا قَوِيًّا إلَّا اللُّزُومَ ثُمَّ قُلْتُ فِي اللُّزُومِ: إنِّي لَمْ يَبِنْ لِي دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لَازِمَةً وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا وَرَدَتْ عَلَى الذِّمَّةِ كَانَ فِيهَا شَبَهٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ دَيْنٌ عَلَى الْعَامِلِ، وَالثَّمَرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا لَكِنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ وَهَذِهِ الشُّبَهُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِنْ لُزُومِهَا، فَإِذَا قِيلَ بِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ زَالَ هَذَا الْإِشْكَالُ وَأَشْبَهَتْ الْقِرَاضَ وَذَكَرْت عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً كَرِهُوهَا، وَمَسْأَلَةُ إجَارَةِ الْأَرْضِ، وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا بِهَا مِنْ الشَّجَرِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ ذَكَرْت مِنْهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ لِي وَلَمْ أَجْسُرْ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْمُخَابَرَةِ إلَى جَوَازِهَا وَجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالِاخْتِيَارِ وَقُلْت: إنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ تَوْقِيتِ الْمُسَاقَاةِ وَلَا عَلَى لُزُومِهَا وَلَمْ أُصَرِّحْ بِاخْتِيَارٍ فِيهَا لِأَنِّي كُنْت لَمْ أَتَتَبَّعْ جُمْلَةَ الْأَحَادِيثِ وَأَقْوَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute