للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَفِ وَتَحْقِيقَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِتَتَبُّعِ ذَلِكَ يُحْدِثُ اللَّهُ فِيهِ قُوَّةً لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ حَدَثَتْ فِي قُوَّةٌ الْآنَ لِاخْتِيَارِ بَعْضِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَوْقِيتُهَا وَإِطْلَاقُهَا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَأَنَّ الْمُزَارَعَةَ، وَالْمُخَابَرَةَ بِالِاصْطِلَاحِ الْيَوْمَ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ لِمَنْ يَزْرَعُهَا إمَّا بِبَذْرٍ مِنْ عِنْدِهِ وَإِمَّا مِنْ الْمَالِكِ، وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا جَائِزَتَانِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا مَسَائِلَ: (أَحَدُهَا) مَا اتَّفَقَ فِي خَيْبَرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ مَقْطُوعٌ بِهِ لِتَحَقُّقِنَا فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ وَلَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا غَيْرُهُ.

(الثَّانِيَةُ) : لَوْ اتَّفَقَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا بِأَنْ نَفْتَحَ بَلَدًا مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ عَنْوَةً وَفِيهَا نَخْلٌ وَأَرْضٌ قَلِيلٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُقِرَّ لَهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا بِالشَّطْرِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا أَعْتَقِدُ أَبَا حَنِيفَةَ وَلَا غَيْرَهُ يَمْنَعُهُ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : أَنَّ الْحَالَ الَّتِي اتَّفَقَ فِي خَيْبَرَ هَلْ كَانَ مُسَاقَاةً وَعَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ حَتَّى يَثْبُتَ حُكْمُهُ لِكُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ كَانَ تَقْرِيرًا لِلْيَهُودِ كَمَا يُقِرُّهُمْ بِالْجِزْيَةِ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْعَمَلِ فِيهَا بِالشَّطْرِ تَكَرُّمًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الَّذِي فَهِمْنَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا بِصُورَةِ الْحَالِ فَنَتَّبِعُهُمْ فِي ذَلِكَ وَنُجَوِّزُهَا خَبَرًا وَقِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَرْعًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ اخْتِيَارُنَا فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ وَجَوَازُهُ ظَنٌّ قَوِيٌّ، وَمِنْ أَقْوَى مَرَاتِبِ الظُّنُونِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي تَكَادُ تَنْتَهِي إلَى الْقَطْعِ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْعِنَبِ قَالَ بِهَا كُلُّ مَنْ قَالَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ إلَّا دَاوُد فَمَنَعَهَا، وَالْمُجَوِّزُونَ لَهَا الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا أَجَازُوهَا بِالْقِيَاسِ وَقِيلَ نَصًّا، وَهُوَ بَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي خَيْبَرَ شَجَرٌ غَيْرُ النَّخْلِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَمَسَّكَ الْقَائِلُ بِالنَّصِّيَّةِ بِقَوْلِهِ: مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ. وَلَسْت أَقُولُ: إنَّ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لَكِنْ لَوْ فُرِضَ حُدُوثُ شَجَرٍ فِي غَيْرِ خَيْبَرَ غَيْرُ مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْفَتْحِ، وَالْمُقَاتَلَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِدُخُولِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَدْخُلُ مَا يَحْدُثُ فِي الْإِذْنِ، وَالشَّرْطِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) : جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ فِي غَيْرِ النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ قَوِيٌّ قِيَاسًا عَلَى النَّخْلِ وَبِالطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي النَّصِّيَّةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ نَتَقَيَّدَ بِمَا يَحْتَاجُ مِنْ الشَّجَرِ إلَى عَمَلٍ أَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ فَلَا وَجْهَ لِلْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ فَأَنَا أَخْتَارُ لِلْقَدِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدًا بِهَذَا الشَّرْطِ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) : تَأْقِيتُ الْمُسَاقَاةِ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَلَا يَفْسُدُ بَلْ تَجُوزُ مُوَقَّتَةً وَغَيْرَ مُوَقَّتَةٍ لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ وَلَا مَعْنَى لِلتَّوْقِيتِ إلَّا إذْنٌ مُقَيَّدٌ بِوَقْتٍ فَلَا يَضُرُّ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) : لُزُومُ

<<  <  ج: ص:  >  >>