للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَيْدِي النَّاسِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، أَمَّا هَذِهِ الْأَنْهَارُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي يَدِ أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ وَلَا الْمَجَارِي الَّتِي يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ مِنْهَا وَإِنَّمَا فِي يَدِ أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ بِدِمَشْقَ وَبِظَاهِرِهَا أَمْلَاكٌ لَهُمْ مِنْ دُورٍ وَطَوَاحِينَ وَحَمَّامَاتٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَمْلَاكٍ وَأَوْقَافٍ بِدِمَشْقَ وَبِضِيَاعٍ فِي ظَوَاهِرهَا وَغُوطِهَا وَمُرُوجِهَا وَتِلْكَ الْمَجَارِي يَصِلُ فِيهَا الْمَاءُ إلَيْهِمْ مِنْهَا وَيُضَافُ إلَيْهَا إضَافَةَ تَخْصِيصٍ لَا إضَافَةَ مِلْكٍ وَأَيْدِيهِمْ إنَّمَا هِيَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ خَاصَّةً لَا تَتَجَاوَزُهَا.

وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَجَارِي وَالْحُقُوقُ تُوجِبُ لَهُمْ مِلْكًا فِيهَا أَوْ فِي النَّهْرِ لَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاقِعٍ بِعِلْمٍ إنَّمَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمِلْكِهِمْ عَلَى مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِنَّمَا لِمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ فِي إجْرَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَيْهِ وَذَلِكَ الْمَجْرَى وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ يَجِبُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ وَمِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ مَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَمْلِكُ مِنْ أَرْضِهِ خَارِجًا عَنْ حَدِّ مِلْكِهِ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ بَلْ ذَلِكَ إمَّا مُبَاحٌ وَإِمَّا وَقْفٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَرَى عَلَيْهِ أَثَرُ مِلْكِ كَافِرٍ قَبْلَ الْفَتْحِ وَدَخَلَ فِي الْفَتْحِ فَقَدْ شَمِلَهُ وَقْفُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَسَائِرِ الْأَرَاضِي وَكَأَرْضِ السَّوَادِ سَوَاءٌ كَانَ أَرْضًا كَأَرْضِ نَهْرِ بُرْدَا أَوْ ثَوْرَا أَوْ بَانَاسٍ وَغَيْرِهَا أَوْ بِنَاءٍ كَالْقَنَوَاتِ وَالْمَجَارِي الَّتِي دَاخِلُ دِمَشْقَ وَخَارِجُهَا وَالدُّورُ الْمَبْنِيَّةُ الَّتِي يَصِلُ الْمَاءُ فِيهَا إلَيْهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا كَالتَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَلِلنَّاظِرِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْفَتْحِ لِمَنْ يَرَى اتِّصَالًا إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُبَاحٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» وَأَرْضُ النَّهْرِ وَحَافَّاتُهُ كَمَا قُلْنَا فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى النَّاظِرِ الْعَامِ ذَلِكَ.

وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ أَثَرُ مِلْكٍ فَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِكُلِّ أَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْهُ فَهَذَا مَقَامٌ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَرَّرَ وَيُفْهَمَ.

وَحُكْمُ الْأَنْهَارِ الْمُبَاحَةِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً أَنَّ الْأَعْلَى يُسْقَى قَبْلَ الْأَسْفَلِ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَالْأَنْصَارِيِّ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ حَقُّ الْأَسْفَلِ أَمَّا إذَا سَبَقَ كَمَا إذَا سَبَقَ وَاحِدٌ فَأَحْيَا مَكَانًا إلَى جَانِبٍ وَشَطِّ النَّهْر ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَأَحْيَا مَكَانَهَا عَلَى فُوَّهَةِ النَّهْرِ فَهُوَ أَعْلَى وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ الْأَسْفَلَ سَبَقَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا وَجَدْنَا مَكَانَيْنِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ وَجَهِلْنَا السَّابِقَ مِنْهُمَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِهِ قَدَّمْنَا الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ وَإِنْ وَجَدْنَا لِلْأَسْفَلِ شِرْبًا وَلَمْ نَجِدْ لِلْأَعْلَى شِرْبًا وَأَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ شِرْبًا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مَنَعْنَاهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّا نُسْتَدَلُّ بِشُرْبِ الْأَسْفَلِ عَلَى تَقْدِيمِهِ. إذَا عُرِفَ هَذَا فَهَذِهِ الْقَنَوَاتُ وَالْمَجَارِي الَّتِي فِي دِمَشْقَ وَظَوَاهِرِهَا قَدْ ثَبَتَ بِهَا حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ هِيَ لَهُ فَلَا يُبْطِلُهَا وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ أَنْ يُحْدِثَ شِرْبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>