للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبُهُ مَالِكًا لِشَيْءٍ مِنْ النَّهْرِ وَلَكِنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ إلَى أَمَاكِنَ يُسْقَى مِنْهُ، وَلَوْ أَرَادَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَشُقَّ إلَى النَّهْرِ سَاقِيَةً أُخْرَى يَسُوقُ فَاضِلَ الْمَاءِ إلَى مَوَاتٍ بِجَنْبِهِ أَوْ إلَى أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ.

إذَا عَرَفَ هَذَا فَأَنْهَارُ دِمَشْقَ إمَّا بَرَدَى فَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي شِعْرِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَبْلَهُ فَأَرْضُهُ وَالْعَيْنُ الَّتِي يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا مِنْهَا إمَّا مُبَاحَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَانَ مَمْلُوكًا لِكُفَّارٍ وَانْتَقَلَ عَنْهُمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَيْئًا بَاقِيًا عَلَى ذَلِكَ أَوْ وَقْفًا مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَأَرْضِ السَّوَادِ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَنْهَارِ الَّتِي فِيهَا مِثْلُ يَزِيدَ وَثَوْرًا وَبَانَاسَ وَنَهْرُ الْمِزَّةِ وَنَهْرُ قُبَيْبَةَ الْمُسَمَّى نَهْرَ الْقَنَوَاتِ وَغَيْرِهَا فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهَا كَذَلِكَ وَأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ؛ لِأَنَّ دِمَشْقَ مَذْكُورَةٌ فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ وَأَنَّهَا ذَاتُ أَنْهَارٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا كَانَ بِانْحِرَافٍ فِي مَوَاتٍ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَمَا كَانَ بِحَفْرٍ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَنْ حَفَرَهُ الْإِبَاحَةَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَ نَفْسَهُ فَمِلْكٌ لَهُ لَكِنَّهُ الْآنَ لَا يَعْلَمُ هُوَ وَلَا وَرَثَتُهُ فَهُوَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصُ طَائِفَةٍ بِجَمِيعِهِ وَلَا بَيْعُهُ بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُنْتَقِلَةِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ الَّتِي يُعْطِي مِنْهَا وَيَبِيعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ نَفْعُهَا لِمَنْ هُوَ مَوْجُودٌ وَلِمَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَشْتَدُّ ضَرُورَةُ النَّاسِ جَمِيعِهِمْ إلَى الشُّرْبِ مِنْهَا وَاسْتِعْمَالِهَا وَالسَّقْيِ مِنْهَا فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَعْطِيلُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ الْبَيْعِ بِخِلَافِ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ بِأَرْضٍ إنْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ حَيْثُ لَا تَشْتَدُّ ضَرُورَةُ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ إلَى تِلْكَ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَمَتَى جَهِلَ الْحَالَ هَلْ هُوَ بِانْحِرَافٍ أَوْ بِحَفْرٍ فَلَا نَعْتَقِدُ الْحَالَيْنِ وَقَدْ قُلْنَا عَلَى الْحَالَتَيْنِ: إنَّهَا لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَبِذَلِكَ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا تُسْقَى مِنْهُ أَرَضُونَ فَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْحَرَفَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، وَنَحْنُ قَدْ قَدَّمْنَا اسْتِشْكَالَ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا عَلِمَتْ أَيْدِيهِمْ الْخَاصَّةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ.

وَالْوَاقِعُ فِي هَذِهِ الْأَنْهُرِ الَّتِي فِي دِمَشْقَ أَنَّهَا بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَيَقُولُونَ فِي الْكُتُبِ بِحَقِّهَا مِنْ النَّهْرِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا لَهُمْ مِنْ النَّهْرِ حَقٌّ لَا مِلْكٌ، وَيَعْتَضِدُ هَذَا بِأُصُولٍ: مِنْهَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَلَا يُقَالُ: الْأَصْلُ عَدَمُ الِانْحِرَافِ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَالِانْحِرَافَ بِدُونِهِ فَهُوَ أَصْلٌ، وَمِنْهَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُهُ فِي الْمُحَقَّقِ وَهُوَ الدَّارُ مَثَلًا لِمَا تَحَقَّقْنَاهُ مِنْ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهَا وَثُبُوتُ يَدٍ خَاصَّةً عَلَيْهَا دُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ وَيُسْتَصْحَبُ عَدَمُ الْمِلْكِ فِي أَرْضِ النَّهْرِ. وَمِنْهَا لَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ فِي أَرْضِ النَّهْرِ لِأَصْحَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>