للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْغَزَالِيِّ بِأَنَّ لَهُ هَذَا فَكِذْبٌ مِنْهُ أَوْ تَوَهُّمٌ، وَأَمَّا عُدُولُ الْمُسْتَأْجِرِ لِزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ إلَى مِثْلِهَا فَلِأَنَّهُ مِلْكُ مَنْفَعَةِ أَرْضٍ وَالْحِنْطَةُ وَمِثْلُهَا طَرِيقَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَا حَقَّ لِلْمَالِكِ فِيهِمَا وَالْمُسْتَأْجِرُ مَلَكَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا بِأَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ، وَأَمَّا نَقْلُ الْبِئْرِ وَالْمَسْجِدِ إلَى مَكَان آخَرَ لِلضَّرُورَةِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْقُوفُ بِعَيْنِهِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ فِيمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ مَحِلُّهُ وَنَظِيرُهُ هُنَا أَنْ لَا يُوجَدَ مُسْتَغِلٌّ أَصْلًا وَلَا يَتَوَقَّعُ بِأَنْ تُخْرَبَ تِلْكَ الْمَحَلَّةُ وَلَا يَتَوَقَّعُ حُضُورَ أَحَدٍ عِنْدَهُ لِلتَّعَلُّمِ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إقَامَةُ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ بِمَكَانٍ آخَرَ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ.

وَصُورَةُ مَسْأَلَتِنَا هُنَا أَنَّ جَامِعَ مِصْرَ الْجَدِيدَ مَوْجُودٌ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ كَثِيرُونَ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَرِّفِينَ لِكَلَامِ الْعُلَمَاءِ إنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ. وَكَذَا الْقِدَرُ وَالْقَنْطَرَةُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِهِ فَهُوَ يَقْتَضِي ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الضَّرُورَةَ بَلْ الْخَلَلَ، وَأَمَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ قَرِيبًا فَنَحْنُ نُوَافِقُ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ نَحْنُ لَا كَمَا قَالَهُ أَوْ قَصَدَهُ الْمُسْتَفْتِي.

وَأَمَّا عِنْدَ حُصُولِ خَلَلٍ مَا وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ يَعْنِي بِنَقْضِ الْوَقْفِ فَلَا نَقُولُ بِذَلِكَ حَاشَ لِلَّهِ وَتَشْبِيهُهُ إيَّاهُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ لِلْمُكَاتَبِ: اذْهَبْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ لِلْكِتَابَةِ فَيَكُونُ خَبَرًا لَا إنْشَاءً وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لَهُ وَكَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَيَحْتَمِلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِقَرِينَةٍ.

وَأَمَّا هُنَا فَتَقْدِيرُ شَرْطِ الِاسْتِمْرَارِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَلَا تَكْفِي الْقَرِينَةُ فِيهِ بَلْ وَلَا النِّيَّةُ لَوْ قَالَهَا الْوَاقِفُ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ إذَا أَرَادَ الْمُطَلِّقُ إحْدَى مَعْنَيَيْ اللَّفْظِ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِيهِ، وَإِذَا أَرَادَ شَرْطًا زَائِدًا لَمْ يُسْمَعْ.

هَذَا آخِرُ تَتَبُّعِ كَلَامِ هَذَا الشَّخْصِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِهِ وَلَا أَنْ نَتَوَهَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَحَلِّ التَّرَدُّدِ وَالنَّظَرِ وَأَظُنُّ أَنَّ مَا حَمَلَ هَذَا الشَّخْصَ عَلَى هَذِهِ الْفَتْوَى قِلَّةُ دِينِهِ وَوَرَعِهِ فَإِنَّهُ مَذْمُومُ السِّيرَةِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ مَنْ أَثِقُ بِهِ لَمَّا وَلِيَ قَضَاءَ الْبُحَيْرَةِ أَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْلِيلًا وَلَا تَحْرِيمًا لِمَا اعْتَمَدَهُ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْأَمْوَالِ فِيهَا وَمَا أَقُولُ هَذِهِ إلَّا بَيَانًا لِحَالِهِ وَتَنْفِيرًا عَنْ الِاغْتِرَارِ بِكَلَامِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي قَالَ بِالْجَوَازِ وَعَلَّلَ بِالتَّعَذُّرِ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ الْوَاقِعَةَ فَقَدْ حَابَى وَدَاهَنَ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْحَالَةَ لَيْسَتْ حَالَةَ ضَرُورَةٍ وَكَمْ مِنْ فَقِيهٍ لَا شَيْءَ لَهُ يَقْنَعُ بِأَدْنَى شَيْءٍ وَيَنْتَصِبُ لِلْإِقْرَاءِ فِي أَيِّ مَكَان، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى يُكَلِّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. كَتَبَهُ فِي سَادِسِ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>