للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعِلْمِ تَبْعَثُهُ عَلَى الِانْتِقَالِ لَهُ مِنْ مَكَان آخَرَ فَإِذَا سَمِعَهُ فِي مَكَانِهِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ حَدَثَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِقُوَّةِ هِمَّتِهِ وَهِمَّتُهُ فِيهِ فَلِهَذَا يَطْلُبُ تَعْمِيمَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلِّ مَحَلَّةٍ بِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ فَاضِلًا أَمْ مَفْضُولًا أَمْ غَيْرَهُ لِهَذَا السِّرِّ الْعَظِيمِ.

(الْفَرْقُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَنْذُورَ حَقٌّ لِلشَّارِعِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِفَاضِلِ كُلِّ نَوْعٍ عَنْ مَفْضُولِهِ بِمَا بَيَّنَهُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ لِمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ «صَلِّ هَاهُنَا» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ. وَبِالْقِيَاسِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِآدَمِيٍّ وَهُوَ الْوَاقِفُ وَقَدْ مَرَّ بِهِ بِمُقْتَضَى وَقْفِهِ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْفَاضِلِ عَنْ الْمَفْضُولِ لَا مِنْ نَوْعِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَالنَّاظِرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْهُ، وَالْوَكِيلُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَتَبُّعُ تَخْصِيصَاتِ الْمُوَكِّلِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: فَرِّقْ هَذَا الْمَالَ أَيْ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَوْ قَالَ: فَرِّقْهُ فِيهَا لَيْسَ لَهُ تَفْرِقَةٌ فِي غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَقْطَعَ بِأَنْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هَاهُنَا فَقَدْ بَانَ بِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ مَا بَيَّنَ مَسْأَلَتَنَا وَالْمَسْأَلَةَ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَنَا أَسْتَحْيِي وَأَرْبَأُ بِنَفْسِي عَنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْدِي أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَا أَنْ يُقَابَلَ كَلَامِي بِهِ وَلَكِنِّي أَقُولُ هَذَا لِيَقِفَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَيَسْتَفِيدُهُ.، وَأَمَّا التَّمْثِيلُ بِالْعُدُولِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الْأَعْلَى فَإِنَّهُ عُرِفَ مِنْ نَفْسِ الشَّارِعِ لَمَّا قَالَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ عَدَمُ الْحَصْرِ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَقْصِدُ إمَّا التَّخْيِيرَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَإِمَّا التَّنْوِيعَ وَطَلَبَ الْقُوتِ فَالْأَعْلَى فِي الْقُوتِ مُحَصَّلٌ لِغَرَضِ الشَّارِعِ عِنْدَ قَوْمٍ وَكَذَا الْأَعْلَى فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَ آخَرِينَ وَالشَّارِعُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ وَالْفَقِيرُ مُصْرَفٌ فَلِذَلِكَ جَازَ الْعُدُولُ لِمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ الشَّارِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ لَوْ عَدَلَ فِيهَا عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ إلَى خَمْسَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا أَيُّهَا الشَّافِعِيَّةُ وَهَذَا الْجَاهِلُ الَّذِي احْتَجَّ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ مَعْدُودٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَمَا يَصْنَعُ بِزَكَاةِ الْمَالِ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الدَّرَاهِمِ لِلصَّدَقَةِ فَفِيهِ خِلَافُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ مَأْخَذُهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لِلشَّارِعِ وَالْفَقِيرِ مُصْرَفٌ وَلَا غَرَضَ فِي أَعْيَانِ الدَّرَاهِمِ وَنَظَرَ الشَّارِعُ فِي الصَّدَقَةِ.

وَأَمَّا نَقْلُ الْوَدِيعَةِ إلَى مَكَان أَحْرَزَ فَلِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَالِكِ الْحِفْظُ وَتَعْيِينُهُ مَكَانًا إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْحِفْظِ فَمَا هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ مُلْتَزَمٌ لِلْحِفْظِ فَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ وَيَتَوَلَّاهُ بِمَا يَعْرِفُ وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا لَا فِي مَكَانِهَا فَلَمْ يَتْرُكْ بِنَقْلِهَا إلَى الْمَكَانِ الْأَحْرَزِ حَقًّا لِلْمَالِكِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>