للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّقَبَةِ فَكَبَيْعِ الْوَارِثِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ. وَذَكَرُوا فَرْعًا آخَرَ إذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِدِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ صَحَّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَفِيمَا بَعْدَهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ: إنَّ أَظْهَرَهُمَا الْبُطْلَانُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي الصِّحَّةُ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا فَلِلْوَرَثَةِ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثَيْ التَّرِكَةِ لَا مَحَالَةَ، وَفِي تَصَرُّفِهِمْ فِي الثُّلُثِ وَجْهَانِ: أَحَدِهِمَا نُفُوذُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ، وَالثَّانِي يُوقَفُ عَلَى الْمُخْتَارِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فَعَاشَ الْمُوصَى إلَيْهِ إلَى أَنْ اسْتَوْعَبَ الدَّنَانِيرَ الثَّلَاثَ فَذَاكَ، كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوصَى بِهِ جَمِيعُ الثُّلُثِ لَا بَعْضُهُ وَهَذَا بِطَرِيقِ الثُّلُثِ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِهِ الثُّلُثَ، وَإِنْ مَاتَ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: يُسَلِّمُ بَقِيَّةَ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ وَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَنْتَقِلَ الْحَقُّ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمْ فَكُلَّمَا انْقَضَتْ سَنَةٌ طَالَبَ الْمُوصَى لَهُ الْوَرَثَةَ بِدِينَارٍ وَكَانَ كَوَصِيَّةٍ تَظْهَرُ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَصَايَا أُخُرَ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: يَقُصُّ الثُّلُثَ بَعْدَ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَابِ الْوَصَايَا وَلَا يَتَوَقَّفُ فَإِذَا انْقَضَتْ سَنَةٌ أُخْرَى اسْتَرَدَّ مِنْهُمْ مِقْدَارَ مَا يَقْتَضِيه التَّقْسِيطُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا بَيِّنٌ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِحَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تَتَقَيَّدْ وَأَقَمْنَا وَرَثَتَهُ مَقَامَهُ فَهُوَ مُشْكِلٌ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ. قُلْت وَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّ ذُرِّيَّتَهُ لَا يَنْقَرِضُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ الْخَاصَّةَ إذَا انْقَرَضُوا يَرِثُهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ بَاقُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا يُعْلَمُ عَدَدُ سِنِي ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ، وَالْجَهْلُ بِجُمْلَتِهِ يَطْرُقُ الْجَهْلَ بِالنَّصِّ عَلَى الْوَصَايَا الَّتِي مَعَهُ وَهُوَ جَهْلٌ لَا غَايَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ عَدَدٍ مُقَدَّرٍ إلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْتَضِي تَبْعِيضٌ مِنْهُ الْوَصَايَا فَقَدْ حَصَلَ إشْكَالٌ لَا يُهْتَدَى إلَى بَيَانِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُمْ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَهُ مَقْصُورَةً عَلَى مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَهِيَ إذَا مَاتَ يَعْلَمُ مِثَالَهُ كَانَ مَالُهُ كُلُّهُ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَلِعَمْرٍو بِدِينَارٍ وَلْتَكُنْ كُلُّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ فَيَدْفَعُ فِي الْحَالِ عَقِبَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْمَقْبُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ دِينَارٌ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ هُوَ جُمْلَةُ الثُّلُثِ فِي الثُّلُثِ، وَفِي السَّنَةِ يَسْتَرِدُّ لِبَكْرٍ نِصْفَ دِينَارٍ مِنْهُمَا، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ خُمُسٌ وَنِصْفُ خُمُسِ دِينَارٍ وَقَدْ اسْتَقَرَّ لَهُ مَا قَبَضَهُ وَهُوَ دِينَارٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَهِيَ الَّتِي تَخُصُّهُ بِالتَّوْزِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَلَهُمَا اثْنَانِ فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَلَهُمَا خُمُسَاهُ. فَهَذَا مَا أَرَادَهُ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

انْتَهَى كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَمَقْصُودِي بِهِ الِاسْتِشْهَادُ لِتَقْدِيمِ الْقُرَّاءِ وَالتَّكَمُّلُ لَهُمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا بَعْضَ الدَّارِ إذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِنَقْضِ الدِّينَارِ كُلَّ شَهْرٍ وَقَدْ فَرَضَهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ أَوْ الْكَسْبُ عَشْرَةً وَلَا شَكَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>