هَذِهِ الْأَعْصَارِ إنَّ الَّذِي تَوَلَّى الْقَضَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذَا أَطْلَقَ السُّلْطَانُ تَوْلِيَتَهُ لِحُكْمٍ بِمَشْهُورِ مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا وَبِمَا يَرَاهُ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ السُّلْطَانُ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ مَشْهُورَ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِهِ فَلَهُ الْحُكْمُ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْهُ بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ مُقَلِّدًا كَانَ أَوْ مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ حَصَرَتْهُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّاذِّ الْبَعِيدِ جِدًّا فِي مَذْهَبِهِ وَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْمَذْهَبِ.
فَإِنْ قُلْت: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ مُسَاوٍ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ أَوْ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ هَلْ يُنْقَضُ.
قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَقْرَبِيَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَخِ الشَّقِيقِ نَصٌّ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ خَالَفَ النَّصَّ وَإِذَا شَرَطَهَا الْوَاقِفُ وَحَكَمَ بِخِلَافِهِ فَيَكُونُ قَدْ خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: شُرُوطُ الْوَاقِفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ، وَأَنَا أَقُولُ مِنْ طَرِيقِ الْأَدَبِ شُرُوطُ الْوَاقِفِ مِنْ نُصُوصِ الشَّارِعِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَإِذَا كَانَتْ مُخَالَفَةُ النَّصِّ تَقْتَضِي نَقْضَ الْحُكْمِ فَمُخَالَفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ تَقْتَضِي نَقْضَ الْحُكْمِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْأَبُ وَالِابْنُ.
قُلْت؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ الْأَقَارِبِ فَلَا يَسْبِقُ الذِّهْنُ مِنْ اسْمِ الْقَرَابَةِ إلَيْهِمَا وَهَذَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ دَلَالَةِ إطْلَاقِ الِاسْمِ لَا مِنْ انْتِفَاءِ مَعْنَى الْقَرَابَةِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الشَّقِيقَ أَقْرَبُ مِنْ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ مُفَرَّعٌ عَلَى عَدَمِ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ قَرِيبًا. قُلْت لَمْ يَقُلْ جَيِّدًا بَلْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي دُخُولِهِ فِي مُطْلَقِ اسْمِ الْقَرَابَةِ، وَاشْتِقَاقُ الْأَقْرَبِ مِنْ اسْمِ الْقَرَابَةِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ غَيْرُ الْأَخِ لِلْأُمِّ صُرِفَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْلَا أَنَّ مَعْنَى الْقَرَابَةِ مَوْجُودٌ فِيهِ لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِ وَهَذَا فِيمَا إذَا قَالَ أَقْرَبُ النَّاسِ أَمَّا إذَا قَالَ أَقْرَبُ قَرَابَتِي وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخٌ لِأُمٍّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقَرَابَةِ بَلْ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَ يَقْتَضِي أَنَّهُ شَارَكَ وَزَادَ وَهَذَا مَفْقُودٌ هُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَخٌ شَقِيقٌ يَأْتِي هَذَا الْبَحْثُ وَمَحَلُّ هَذَا الْبَحْثِ إذَا قَالَ أَقْرَبُ أَقَارِبِي الْمَوْجُودِينَ أَمَّا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَوْجُودِينَ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَقَارِبَ هَذَا أَقْرَبُهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ انْقَرَضُوا فَإِنْ قُلْت لَوْ وَصَّى لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَقَارِبِهِ.
قُلْت قَالَ الْأَصْحَابُ يُصْرَفُ لِثَلَاثَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمَاعَةٌ لَا أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاثْنَيْنِ إنَّمَا جُعِلَا جَمَاعَةً فِي ثَوَابِ الصَّلَاةِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ سَوَّى الْفُقَهَاءُ بَيْنَ أَقَارِبِهِ وَقَرَابَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ أَقَارِبَ جَمْعُ أَقْرَبَ وَهِيَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فَتَخْتَصُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute