بِالْأَقْرَبِينَ مِنْ الْقَرَائِبِ.
قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ جَمْعَ أَقْرَبَ بَلْ تَكُونُ جَمْعَ قَرِيبٍ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي طَلْحَةَ فِي صَدَقَتِهِ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. قُلْت؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ قَبِيلَتِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لِي فِيهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَيْهِ.
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَيْنِ مَعَ صِيغَةِ الْجَمْعِ.
قُلْت لَمْ يَقْتَصِرْ فَقَدْ قَسَمَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَسٌ حَسَّانَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ فَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَزَيْدَ بْنَ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ وَحَرَامٌ هَذَا ابْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّار وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبِ بْن قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ.
فَأُبَيٌّ فِي رُتْبَةِ وَالِدِ أَبِي طَلْحَةَ وَحَسَّانُ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ حَسَّانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِي طَلْحَةَ وَلَكِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُمَا إلَى جِذْمِ النَّسَبِ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ النَّجَّارِ فَلِذَلِكَ أَعْطَاهُ وَلَمْ يُعْطِ أَنَسًا؛ لِأَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنَمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فَأَنَسٌ أَنْزَلُ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَحَسَّانَ بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَاعَى لَفْظَ الْأَقْرَبِينَ، وَلَمْ يُعَمِّمْ الْأَقْرَبِينَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي رُتْبَةِ حَسَّانَ اثْنَيْنِ مُسَاوِيَيْنِ لَهُ إذَا قَرَّبَ فَأَدْخَلَ أُبَيَّ وَرَاعَى أَقْرَبِيَّتَهُ إلَى أَصْلِ نَسَبِهِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ مُرَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَقْرَبِينَ مِنْ قَرَابَتِهِ الَّذِينَ هُمْ قَبِيلَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا: أَقْرَبُ الْأَقَارِبِ وَأَقْرَبُ النَّاسِ وَتُعْطَى كُلُّ لَفَظَّةٍ حَقَّهَا، وَدَلَالَةُ الْجَمْعِ هَلْ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَالْإِضَافَةِ أَوْ لَا؟ وَمَنْ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ مِنْ الْأَجْدَادِ فِي الْقَرَابَةِ حَتَّى تُبْنَى عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَلَفْظُ الْقَرَابَةِ وَالْقَرَائِبِ مِثْلُ لَفْظِ ذَوِي الْقُرْبَى وَقَدْ قَصَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فَالشَّافِعِيَّةُ ضَبَطُوهُ بِأَقْرَبِ جَدٍّ يُعْرَفُ بِهِ، وَأَقْرَبُ جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْوَصْفِ هُوَ هَاشِمٌ، وَأَلْحَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي الْمُطَّلِبِ بِهِمْ وَأَحْمَدُ اعْتَبَرَ الْجَدَّ الرَّابِعَ؛ لِأَنَّ هَاشِمًا رَابِعٌ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْجَدَّ الثَّالِثَ.
فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ يَتَنَاوَلُ الشَّقِيقَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ هَلْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ يَجْرِي فِي هَذَا الْوَقْفِ غَيْرَ أَخَوَاتِهَا الثَّلَاثِ وَبَقِيَّةِ أَهْلِ الْوَقْفِ خَالَاتُهَا أَعْلَى مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَوْلَادُ عَمٍّ وَلَا عَمَّةٍ فَانْحَصَرَتْ الطَّبَقَةُ فِي ثَلَاثٍ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ وَالْأُخْتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute