وَلَا مَنْ لَهُ تَصَوُّرٌ وَنُطْقٌ يَقِفُ عِنْدَمَا يَقُولُ إنَّ لَفْظَ الْأَبِ صَرِيحٌ فِي الْأُمِّ وَلَا ظَاهِرٌ. فَإِنْ قُلْت الْأُمُّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ.
قُلْت هَذَا يُقَالُ عِنْدَ التَّغْلِيبِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْأَبِ عَلَى الْأُمِّ فَهَلْ سُمِعَ قَطُّ فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ مِنْ نَظْمٍ أَوْ نَثْرٍ، وَهَذَا أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ سُؤَالًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا قِيلَ ذَكَرْته فَإِنِّي سَمِعْت مَنْ احْتَجَّ بِهَذَا لِهَذَا الْحَاكِمِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْحَاكِمُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ.
قُلْت فِيهِ: أَيْنَ هَذَا الْخِلَافُ وَعَجِيبٌ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ صَرِيحُ الصَّرِيحِ، كَيْفَ يَخْتَلِفُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ كُنَّا نَقُولُ إنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْأُخْتَيْنِ مِنْ أَبٍ وَكَانَ يَكُونُ عُذْرًا وَيَكُونُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ مَا صَادَفَ مَحَلًّا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِأُخْتَيْ الْأُمِّ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لَوْمٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّهْوَ يَعْرِضُ لَكِنَّ قَوْلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ يَدْفَعُهُ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيكَ بَيْنَ الشَّقِيقِ وَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ مَعَ تَصْرِيحِ الْوَاقِفِ بِهِ لَا خِلَافَ فِيهِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ يَكُونُ لِلْحَاكِمِ مُسْتَنَدٌ آخَرُ قُلْت تَضَمَّنَ إسْجَالُهُ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ صَرِيحًا وَحَكَمَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَتَّبَ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ الصَّرَاحَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ مُسْتَنَدُهُ فِي الْحُكْمِ وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ يَقِينًا خَطَأَهُ فِي رُؤْيَةِ ذَلِكَ صَرِيحًا وَمَتَى كَانَ الْمُسْتَنَدُ خَطَأً كَانَ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ خَطَأً مِثْلَهُ فَيَكُونُ مَقْطُوعًا بِخَطَئِهِ وَكُلُّ مَقْطُوعٍ بِخَطَئِهِ يَجِبُ نَقْضُهُ.
فَإِنْ قُلْت فَالْحَاكِمُ مَتَى يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي مُسْتَنَدِهِ؟ قُلْت عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَا قَالَهُ فِي إسْجَالِهِ وَهَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَلَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ حِسْبَةً فَلَيْسَ لَهُ الْآنَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِيهِ إلَّا بِدَعْوَى، وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْقَاضِي بِأَنَّ لَهُ مُسْتَنَدًا آخَرَ يُخَالِفُ ظَاهِرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَقَوْلُ الْحَاكِمِ مَقْبُولٌ فِيمَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ.
فَإِنْ قُلْت فَقَدْ ذَكَرَ مُسْتَنَدَاتٍ لَا بَأْسَ أَنْ نَسْمَعَهَا وَنُجِيبَ عَنْهَا. قُلْت مَا ذَكَرَهَا وَأَنَا أَسْتَنْطِقُك بِهَا عَلَى سَبِيلِ الْأَسْئِلَةِ لِيَنْتَظِمَ الْكَلَامُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ سُؤَالًا وَجَوَابًا.
فَإِنْ قُلْت أَنْتَ تُثْبِتُ كَلَامَك كُلَّهُ عَلَى شَرْطِ تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِيمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْإِخْوَةِ الْأَرْبَعَةِ، وَدُنْيَا الَّتِي الْكَلَامُ فِي نَصِيبِهَا لَيْسَتْ مِنْهُمْ بَلْ هِيَ بِنْتُ إحْدَاهُنَّ.
قُلْت قَدْ اتَّصَلَ فِي إثْبَاتِ كِتَابِ إقْرَارِ بَدْرِ الدِّينِ بِالْوَقْفِ وَأَنَّ الْمَوْقُوفَ كَانَ فِي يَدِهِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَفِيهِ شَرْطُ تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ وَإِنَّمَا الْكِتَابُ الَّذِي اتَّصَلَ بِهَذَا الْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ وَتَارِيخُهُ بَعْدَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَوَفَاةِ الْمُقِرِّ وَانْتِقَالِ الْوَقْفِ إلَى أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ وَمُسْتَنَدُهُ الِاسْتِفَاضَةُ بِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَيْ انْتَهَتْ مَنَافِعُهُ إلَيْهِمْ وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَمُرَادُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا قَصَرُوا فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالِاسْتِفَاضَةِ فَلَمْ يَضْبِطُوا لَفْظَ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ قَدْ ثَبَتَ فَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَوْلَى وَلَا مُعَارَضَةَ بَلْ هُوَ