عِلْمٌ بِالْغَيْبِ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا بَنَى عَلَيْهِ الَّذِي قَبْلَهُ الْحُكْمَ. فَإِنْ قُلْت قَدْ نَفَّذَ شَافِعِيٌّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ الْمَذْكُورَ.
قُلْت: تَنْفِيذُهُ لَا يُصَحِّحُهُ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّتِهِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ الْحَنَفِيُّ إنَّهُ إنَّمَا نَفَّذَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ.
قُلْت هَذَا عُذْرٌ لَهُ وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّهُ لَمْ يُنَفِّذْ الْحُكْمَ لِلْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَّذَهُ لَمْ يَنْفُذْ.
فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ نَقْضُ الْقَضَاءِ صَعْبًا قُلْت أَصْعَبُ مِنْهُ تَبْقِيَتُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَإِذَا تَبَيَّنَ بِالدَّلِيلِ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَهُوَ مِمَّا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مَرْدُودًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي إلَّا إذَا خَالَفَ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَوْ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ يَكُونُ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
قُلْت هَذَا مُخَالِفٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا فَهُوَ كَالْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ خِلَافٌ فَيَكُونُ شَاذًّا وَالْخِلَافُ الشَّاذُّ لَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْبَعِيدَ لَا يُخْرِجُ النَّصَّ عَنْ كَوْنِهِ نَصًّا وَلِهَذَا عَدَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جُمْلَةً مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ وَهَكَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْخِلَافِ الشَّاذِّ إنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ الْمَشْهُورُ الْقَرِيبُ الْمَأْخَذِ أَمَّا الْخِلَافُ الشَّاذُّ الْبَعِيدُ فَهُوَ خِلَافٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ، وَهَكَذَا أَقُولُ إنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ خِلَافٌ يَتَفَاوَتُ أَوْ احْتِمَالَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ.
فَإِذَا حَكَمَ بِأَحَدِهَا لَا يَنْقُضُهَا مَنْ يَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ صَوَابًا كَمَا فِي الْمَذَاهِبِ الْمَشْهُورَةِ أَمَّا الْخِلَافُ الشَّاذُّ وَالِاحْتِمَالُ الْبَعِيدُ الَّذِي يُعْتَقَدُ خَطَؤُهُ فَقَدْ لَا يُنْقَضُ وَقَدْ اشْتَهَرَ وَرَدُّوا الْحَمَّالَاتِ إلَى الْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَدْرَكَهُ فِي تَارِيخِهِ.
فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرْته فِي مَعْنَى التَّشْرِيكِ يَدِقُّ عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ طَرِيقًا فِي بَعْضِ الْحُكْمِ.
قُلْت أَنَا إنَّمَا ذَكَرْته مُحَافَظَةً عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ حَتَّى لَا يُلْغَى وَالْمَعَانِي الْخَفِيَّةُ لِإِبْقَاءِ النُّصُوصِ وَعَدَمُ إلْغَائِهَا فَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْنُ اسْتَخْرَجْنَا هَذَا دَفْعًا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِبُطْلَانِ هَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْوَاقِفِ بِمَا يَتَخَيَّلُهُ وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ يُبْطِلُ النُّصُوصَ بِالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْطَالٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ بِمَا تَوَهَّمَهُ فِي ذِهْنِهِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَنَحْنُ قَدْ أَظْهَرْنَا فِيهِ فَائِدَةً فَكَانَ التَّوَهُّمُ فَاسِدًا. فَإِنْ قُلْت هَلْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِانْتِقَالُ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ قُلْت لَا فَرْقَ. فَإِنْ قُلْت فَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ؟
قُلْت أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَأَحْكُمُ لِلَّتِي بِنَصِيبِ أُخْتِهَا دُنْيَا جَمِيعِهِ كَامِلًا مُضَافًا إلَى نَصِيبِهَا مِنْ أُمِّهَا وَأُقِرُّ يَدَهَا عَلَيْهِ وَأَمْنَعُ