للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْحُكْمُ فِي الْأَوْقَافِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ مَصِيرِ الْقُضَاةِ أَرْبَعَةً إنْ شَرَطَ فِيهَا النَّظَرَ لِقَاضٍ مُعَيَّنٍ فَالشَّرْطُ مُتَّبَعٌ بِكَوْنِ النَّظَرِ الْخَاصِّ لَهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ النَّظَرُ الْعَامُّ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا اقْتِضَاءُ الْعُرْفِ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَاضِيَ الشَّافِعِيَّ أَكْبَرُ عُرْفًا وَبِعَادَةِ السُّلْطَانِ وَالْأَكْبَرُ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ عَلَى الْأَصْغَرِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَيَخْتَصُّ النَّظَرُ بِالشَّافِعِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ الْحَالُ فِي الدَّوْلَةِ النَّاصِرِيَّةِ لَمَّا وَقَعَ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى قِيلَ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِينَ حَوْلَ السُّلْطَانِ إذَا سَمِعُوهُ يَفْهَمُونَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الشَّافِعِيَّ فَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُ قَيَّدَ وَقَدْ اسْتَقَرَّ فَهْمُهُ وَفَهْمُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَازِلْنَا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ وَمِمَّنْ يَتَلَقَّى الْمَرَاسِيمَ عَنْهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْفِرَادِ وَاحِدٍ أَنَّا لَمْ نَرَ أَحَدًا قَطُّ يَفْهَمُ دُخُولَ نُوَّابِ الْحُكْمِ وَهُمْ قُضَاةٌ، فَلَوْ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الْعُمُومِ لَدَخَلُوا، وَسَبَبُهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِانْفِرَادَ فِي النَّظَرِ مَقْصُودٌ وَاجِبٌ بِالْمَصْلَحَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] .

وَقَدْ جَرَّبْنَا ذَلِكَ بِكُلِّ وَظِيفَةٍ فِيهَا اثْنَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الرَّأْيِ لَا يَجِيءُ مِنْهُمَا حَالٌ مَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَإِلَى ثَالِثٍ.

فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا نَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا إذَا نَصَّ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمُوصِي عَلَى خِلَافِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَّى بِذَلِكَ فَمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا إلَى فِعْلٍ فَقَدْ فَعَلَهُ وَمَتَى تَشَاحَّا رَجَعَا إلَى الْحَاكِمِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْأُمُورُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُفَوَّضَةً إلَى وَاحِدٍ، وَتَجْوِيزُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِيَحْكُمَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ الْحُكُومَاتِ وَأَمَّا أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي نَظَرٍ وَيَسْتَنِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا شَاهِدَ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ.

وَبَعْدُ إنِّي أَكْرَهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَقَصَدْت أَنْ لَا أَكْتُبَ هَذَا؛ لِأَنَّنِي قَاضٍ شَافِعِيٌّ فَقَدْ يُعْتَقَدُ فِي أَنَّ الْحَامِلَ لِي عَلَى هَذَا قَصْدِي أَنْ يَكُونَ تَحْتَ نَظَرِي فَفَكَّرْت فِي ذَلِكَ وَعَارَضَنِي مَحَبَّتِي لِلْعِلْمِ وَبَيَانِهِ وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنْ إبْلَاغِهِ النَّاسَ وَعَدَمِ كِتْمَانِهِ وَرَجَاءَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ بَعْدِي حَيْثُ لَا يَكُونُ لِي غَرَضٌ فَرَجَّحْت هَذَا الْجَانِبَ وَكَتَبْت مَا قُلْته وَاَللَّهُ يَعْفُو عَنِّي وَعَمَّنْ يَظُنُّ بِي سُوءًا وَأَنَا نَذِيرٌ لِمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَهْلِيَّةُ الْعِلْمِ أَنْ يَتَوَلَّى قَضَاءً فَإِنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ يُؤْخَذُ بِالْقَبُولِ وَكَلَامُ الْقُضَاةِ تَسْرِي إلَيْهِ الظُّنُونُ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى الْقُضَاةِ أَجْرٌ فِي وَقَائِعَ جُزْئِيَّةٍ فَالْعِلْمُ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا نَكْتُبُهُ مِنْ الْعِلْمِ أُجُورٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَكِنَّ الْجُزْئِيَّ مَعَ الْمَقَادِيرِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ وَاجِبٌ وَالْعَبْدُ لَا يَدْرِي مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ وَإِنَّمَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُدَبِّرُهُ. وَمِمَّا نَذْكُرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى كَلَامِي هَذَا مِنْ الْقُضَاةِ الثَّلَاثَةِ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِدَلِيلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>