شَخْصٍ نَائِبًا عَنْ الشَّرْعِ يَقُومُ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهَا وَأَلْقَى إلَيْهِ زِمَامَهَا لِيَتَفَرَّغَ هُوَ لِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ أَعْبَاءِ الْأُمَّةِ وَمَصَالِحِهَا وَمُغَالَبَةِ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَتَمْهِيدِ الْبِلَادِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمُلَاقَاةِ حُرُوبِ أَعْدَاءِ دَيْنِ اللَّهِ وَدَفْعِهِمْ وَتَوْطِيدِ مَسَالِكِ الْمَمَالِكِ وَقَمْعِ الْمُفْسِدِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْقُضَاةُ وَلَا جَمِيعُ الْخَلْقِ عَلَيْهَا؛ كَمَا أَنَّهُ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَعَزَّ أَنْصَارَهُ لَا يَتَصَدَّى لِلْحُكْمِ فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بَيْعٍ فَإِنَّ نَظَرَهُ فِي أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، هَذَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِلْقَاضِي أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ النَّظَرَ لِأَحَدٍ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ النَّظَرَ لِلْقَاضِي وَكَانَ عِنْدِي تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ السُّلْطَانَ يُشَارِكُهُ أَوْ لَا وَالْآنَ اسْتِقْرَارِي عَلَى عَدَمِ مُشَارَكَتِهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَنْفَرِدُ بِهِ كَمَا أَطْلَقُوهُ وَلَا نَظَرَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ وَأَمْثَالَهُ خُلَفَاءُ الشَّرْعِ أَعْظَمُ مِنْ الْقُضَاةِ.
وَعَلَى مِثْلِهِمْ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ النَّظَرَ لِلْإِمَامِ، وَأَمَّا مَنْ وَلِيَ بِالشَّوْكَةِ فَتَنْفُذُ أَحْكَامُهُ وَتَصِحُّ تَوَلِّيَاتُهُ الْعَامَّةُ الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْقَضَاءُ فَيُقِيمُ رَجُلًا فِي مَقَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَيُلْقِي إلَيْهِ مَقَالِيدَ الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا تَوَلِّيَاتٌ جُزْئِيَّةٌ فَلَيْسَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ لِنَائِبِ الشَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ، كَتَبْته فِي سَادِسَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) وَرَدَتْ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ فِي رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلَهُ ابْنُ ابْنِ ابْنِ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنِ بِنْتٍ أُخْرَى وَهُوَ ابْنُ ابْنِ ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ.
(الْجَوَابُ) الثَّانِي أَقْرَبُ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِجِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا مُسْقِطَةً لِحُكْمِ الْأُخْرَى فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا وَالْحُكْمُ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ بِهِمَا وَقَوْلُهُ أَقْرَبُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَالتَّفْضِيلُ تَارَةً يَكُونُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْقَرَابَةِ وَتَارَةً يَكُونُ بِكَثْرَةِ الْقَرَابَةِ وَالْقَرَابَةُ مَعَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ كَمَا فِي الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَكَمَا فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، وَفِي بَابِ الْمِيرَاثِ وَرَّثُوا الْأَخَ الشَّقِيقَ وَلَمْ يُوَرِّثُوهُ بِالْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا الِامْتِزَاجُ أَوْجَبَ تَرْجِيحًا وَالْأَصْلُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» وَوَرَّثُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute