للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَيْرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ فَهُوَ سَرَفٌ وَإِنْفَاقُهُ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَيْسَ بِسَرَفٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ سَرَفٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ، وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأُنْثَى لَا يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَدْخُلَ.

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الرُّشْدَ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَعْظَمَ الرُّشْدِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي الرُّشْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمَقْرُونِ بِقَوْلِهِ {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] فَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الْمَالِ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ بَعْضُهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصْلِحًا لَهُ، وَهَذَا لَيْسَ خِلَافًا فِي حَقِيقَةِ الرُّشْدِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِقْبَاحُ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا.

(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) فِي بَيَانِ الْأَرْشَدِيَّةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْفُقَهَاءُ فِيهَا إلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ أَرْشَدَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنْ الرُّشْدِ فَيَقْتَضِي زِيَادَةً فِيهِ وَمُشَارَكَةً، فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الرُّشْدَ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ، فَالْأَرْشَدِيَّةُ الزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ، وَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَمَقْصُودُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ صِدْقُ الِاسْمِ فَقَطْ وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا، وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الصَّلَاحِ فِي الْمَالِ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِالصَّلَاحِ فِي الدِّينِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِدْقُ الْأَرْشَدِيَّةِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ فَقَطْ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الرُّشْدَ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ وَإِنَّمَا صَرَفْنَا عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَرِينَةَ الْمَالِ فَلَا يُنْكَرُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ اسْمِ الرُّشْدِ الْمُطْلَقِ فَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنَازَعَ فِي ذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّ اسْمَ الرُّشْدِ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى صَلَاحِ الْمَالِ فَقَطْ وَإِمَّا لِأَنَّهُ مَقُولٌ عَلَيْهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُفَضَّلُ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا الِاسْمُ بِالتَّوَاطُؤِ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي وَالْأَوْلَى أَنَّ الرُّشْدَ إنَّمَا جَاءَ لِصَلَاحِ الْمَالِ لِلْقَرِينَةِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الرُّشْدَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالصَّلَاحِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يُخْرِجُ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ عَنْ مُسَمَّى الرُّشْدِ فِيهِ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ وَمِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِهِ لَهُ فِي اسْمِ الرُّشْدِ وَإِنَّ الْحَقِيقَةَ مُرَكَّبَةٌ فَعَلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ الْأَقْرَبُ تَكُونُ الْحَقِيقَةُ مُرَكَّبَةً مِنْ رِشْدِينَ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءًا مَقْصُودًا، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ زَادَ بِصَلَاحِ الْمَالِ أَرْشَدُ وَأَمَّا مَنْ زَادَ بِصَلَاحِ الدِّينِ، مِثَالُهُ وُجِدَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>