للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمْ انْتَهَى كَلَامُهُ.

فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَخِيرًا أَنَّهُ يُتَّجَهُ فَبَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسَاكِينَ بَعْدَهُ لَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ فَتَقْدِيرُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ إذَا صَحَّحْنَاهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى مَنْ ذَكَرَهُ أَخِيرًا، وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مُحْتَمَلٌ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ انْقِدَاحِ التَّرْتِيبِ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فَصَحِيحٌ، وَهُوَ مُخَالِفُ إطْلَاقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ إلَّا مَا قِيلَ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ حَقٌّ، وَهُوَ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فَإِنَّ الْمُنْقَطِعَ الْأَوَّلَ وَالْمُنْقَطِعَ الْوَسَطَ كِلَاهُمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ إذَا كَانَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، أَوْ وَسَطًا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَسَبَبُ الْبُطْلَانِ فِيهِ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ الَّتِي هِيَ أَوْقَافُ الْجَاهِلِيَّةِ.

فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَاقِفُ مَصْرِفًا، أَوْ ذَكَرَ مَصْرِفًا لَا يَجُوزُ كَانَ فِي مَعْنَى مَنْ سَيَّبَ السَّائِبَةَ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَمَّا إذَا ذَكَرَ مَصْرِفًا صَحِيحًا، فَيُعْذَرُ لِعَدَمِ قَبُولِهِ، أَوْ لِرَدِّهِ فَلَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ فِي مَعْنَى الْمُسَبَّبِ، بَلْ قَصَدَ صَدَقَةً صَحِيحَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَخَرَجَ عَنْهَا لِجِهَةٍ صَحِيحَةٍ لَا عَطَّلَ مَنَافِعَهَا، وَلَا اسْتَثْنَى فِيهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَصَحَّ الْوَقْفُ، فَإِنْ قَبِلَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرُدَّ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ شَيْئًا أَصْلًا وَاشْتَرَطْنَا قَبُولَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ:

يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَى مَصْرِفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا صِحَّتُهُ فَلِصِحَّةِ إيجَابِ الْوَقْفِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا صَرْفُهُ مَصَارِفَ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْأَوَّلِ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ وَقُلْنَا: الرَّدُّ يُبَيِّنُ بُطْلَانَ الْوَقْفِ فِي حَقِّهِ فَكَذَلِكَ، وَاَلَّذِي بَطَلَ كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَا كَوْنُهُ مَوْقُوفًا مُطْلَقًا، وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

فَإِنْ قُلْنَا: الرَّدُّ يَقْطَعُ الْوَقْفَ بِالْفَسْخِ فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، ثُمَّ إنْ قُلْنَا: الْغَلَّةُ لَيْسَتْ لَهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَمِثْلُهُ قَدْ قُبِلَ بِهِ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ اتَّجَهَ صَرْفُهُ فِي مَصَارِفِ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ تَصَرُّفٌ.

وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْغَلَّةُ لَهُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْوَصِيَّةِ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ، وَالْمَصْرِفُ لَا يَخْتَلِفُ فَقَدْ صَحَّ كَلَامُ النَّوَوِيِّ، وَفِي التَّصْحِيحِ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ، وَاعْتُضِدَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ بِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ مِنْ التَّرْتِيبِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>