وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ يَكُونُ عَلَى مِائَةٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ وَيُقَسِّمُهُ النَّاظِرُ بَيْنَهُمْ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا عَلَى مَا يَرَاهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ لَا يَنْقُصُ مَجْمُوعُ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِمْ عَنْ خَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي السَّنَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مُعَدَّلُ كُلٍّ مِنْهُمْ عِشْرُونَ فِي الشَّهْرِ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَّا ازْدِرَاءً عَلَى مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْحُكْمِ وَحَمْلُ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَالتَّقْدِيرُ عَلَى أَنَّهُ مَرَدٌّ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَيَقْسِمُ مَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ عَلَى نِسْبَتِهِ، فَإِنْ فَهِمَ أَحَدٌ خِلَافَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ خِلَافُ شَرْطِ الْوَاقِفِ.
وَنَحْنُ لَيْسَ لَنَا فِي الْأَوْقَافِ إلَّا سُلُوكُ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ فِي قِسْمَتِهَا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمُمَلَّكِ مَا لَنَا فِيهَا إعْطَاءٌ، وَلَا حِرْمَانٌ، وَلَا تَقْدِيرٌ إلَّا تَنْفِيذُ مَا فَعَلَهُ الْوَاقِفُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْإِعْطَاءُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَاقِفُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِإِذْنِهِ وَنَحْنُ قُسَّامٌ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَالْمُعْطِي اللَّهُ» .
وَمِنْ تَمَامِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ عِشْرُونَ يُحَافَظُ عَلَى إيصَالِهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ فِي زَمَانِ الْوَاقِفِ أَوَّلًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ أَوْلَادَ عَمِّهِمْ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ كُلَّهُ لَهُمْ وَلِلْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ ثُمَّ شَرَطَ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا عِشْرِينَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ الْوَقْفُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَبْلَ الزِّيَادَةِ فِي الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَدِ، وَيَكُونُ الْحَاصِلُ الْبَاقِي كُلُّهُ لَهُمْ.
وَأَمَّا بَعْدَ زِيَادَةِ الْوَقْفِ فَقَدْ تَحَقَّقْنَا عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعِشْرِينَ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ بَعْدَ زِيَادَةِ الْوَقْفِ ثُمَّ إنَّهُ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يَزِيدَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا تَعْلِيلًا، أَوْ بَيَانًا، فَإِنْ كَانَ تَعْلِيلًا بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَّلَ اسْتِثْنَاءَهُ بِذَلِكَ فَمَفْهُومُ هَذِهِ الْعِلَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَزِيدُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلَّلَ الْعَامَّ بِعِلَّةٍ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي بَعْضِهِ هَلْ يَخُصُّ بِذَلِكَ، أَوْ لَا الْمُخْتَارُ لَا، وَإِنْ كَانَ بَيَانًا فَالْبَيَانُ إنَّمَا يَكُونُ لِأَمْرٍ مُجْمَلٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا احْتِمَالَ فِيهِ.
وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالُ لِمَا يَكُونُ الْحُكْمُ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا دَفَعَ الشَّرْطَ بِالزِّيَادَةِ ذَكَرَ أَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَزِيدَ بِقَدْرِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَفْهُومِ إنْ سَلَّمَ وَمَنْطُوقُ كَلَامِهِ الَّذِي قَبْلَ الشَّرْطِ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ فَلَا يُعَارِضُهُ هَذَا الْمَفْهُومُ؛ وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْأَوَّلِ إنَّ الْمَفْهُومَ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ فَذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَمَّا فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ فَلَا، وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوْقَافِ إنَّمَا يَعْتَبِرُ الْأَلْفَاظَ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ فِي حَصْرِ الزِّيَادَةِ فِي الْمِقْدَارِ نَظَرًا ثُمَّ لَوْ سَلَّمَ انْحِصَارَهَا فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعِشْرُونَ يُخَصُّونَ بِالْأَصْلِ وَالزَّائِدُونَ بِالزِّيَادَةِ، أَوْ يَشْتَرِكُ الْكُلُّ فِي الْجَمِيعِ؟ الْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ الِاشْتِرَاطَ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّرْفُ لِلْعُمُومِ فَكُلُّ مَنْ قَرَّرَ سَوَاءٌ، وَيَكُونُ الْحَصْرُ فِي الْمِقْدَارِ حَتَّى لَا يَكْثُرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute