للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ شَرْطًا مَا دَامَ يُدَرِّسُ بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يُحَصِّلْ التَّدْرِيسَ بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ هَذَا حُكْمُ بَهَاءِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُ فَهُمْ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَهُمْ الَّذِينَ ابْتَدَأَ بِهِمْ فَحُكْمُهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّدْرِيسِ وَالنَّظَرِ حُكْمُهُ وَلَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَنِيبُوا فِي التَّدْرِيسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُدَرِّسُوا بِأَنْفُسِهِمْ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا إلَّا بَهَاءُ الدِّينِ وَحْدَهُ، فَهُوَ الَّذِي خَصَّهُ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُدَرِّسَ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ إكْرَامًا لَهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْوَاقِفُ بِأَنَّ لِبَهَاءِ الدِّينِ، أَوْ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يُوصِيَ، أَوْ يُسْنِدَ، وَإِنَّمَا قَالَ: فَإِذَا مَاتَ فَإِلَى مَنْ يُوصِي إلَيْهِ وَيَنُصُّ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ إذَا أَوْصَى وَنَصَّ ثُمَّ مَاتَ كَانَ التَّدْرِيسُ وَالنَّظَرُ لِمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ بِحُكْمِ شَرْطِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُوصَى بِحُكْمِ إيصَائِهِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْبَطْنِ الثَّانِي يَتَلَقَّوْنَ عَنْ الْوَاقِفِ عَلَى الصَّحِيحِ لَا عَنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِي أُمُورٍ مِنْهَا إذَا أَوْصَى بَهَاءُ الدِّينِ مَثَلًا، أَوْ غَيْرُهُ فِي حَيَاتِهِ لَا نَحْكُمُ بِأَنَّ وَصِيَّتَهُ هَذِهِ صَحِيحَةٌ، بَلْ نَنْتَظِرُ، فَإِنْ مَاتَ حَكَمْنَا لِلْمُوصَى إلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ بَهَاءُ الدِّينِ أَنْ يُفَوِّضَ النَّظَرَ فِي حَيَاتِهِ إلَى غَيْرِهِ.

فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيلِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْلِيَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُفَوِّضَ التَّدْرِيسَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِنَابَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ وَلَهُ تَرْكُ التَّدْرِيسِ بِنَفْسِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ.

وَقَدْ قُلْنَا: إذَا تَعَطَّلَ أُقِيمَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَهُوَ نَاظِرٌ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَهُ عَزْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالرُّجُوعُ إلَى التَّدْرِيسِ بِنَفْسِهِ، وَاَلَّذِي يُوَلِّيه لَيْسَ لَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ الْمُشْتَرَطِ لِبَهَاءِ الدِّينِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ عَنْ نَظَرِهِ لَا عَنْ تَدْرِيسِهِ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يُدَرِّسَ ذَلِكَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ تَبَرُّعًا كَمَا كَانَ بَهَاءُ الدِّينِ.

وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ الْوَقْفِ، أَمَّا مِنْ الْوَقْفِ فَلَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ لَهُ عَلَى شَيْءٍ.

هَذَا حُكْمُ تَفْوِيضِ بَهَاءِ الدِّينِ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ مَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ أَوْصَى إلَيْهِ فَكَذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَا يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ، بَلْ إذَا مَاتَ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُفَوِّضَ التَّدْرِيسَ إلَى غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ التَّدْرِيسَ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>