يَسْتَنِيبَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِذَلِكَ بِخِلَافِ بَهَاءِ الدِّينِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَهُ اسْتِقْلَالًا وَيَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ؟ هَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ أَنْ يُقَالَ بِهِ كَمَا فِي بَهَاءِ الدِّينِ، وَيُحْتَمَلُ، وَهُوَ الْأَقْوَى أَنْ يَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ " وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُدَرِّسَ بِنَفْسِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ " وَهَذَا الشَّرْطُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّدْرِيسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَفِي النَّظَرِ مَعًا، فَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِمَا مَعًا فَامْتَنَعَ مِنْ التَّدْرِيسِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّظَرَ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّظَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ التَّدْرِيسَ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ كَلَامِ الْوَاقِفِ تَقْتَضِي جَعْلَ النَّظَرِ مَانِعًا لِلتَّدْرِيسِ فَلَا يَسْتَقِلُّ إلَّا فِي حَقِّ بَهَاءِ الدِّينِ خَاصَّةً لِنَصِّهِ عَلَيْهِ.
بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي حَقِّ بَهَاءِ الدِّينِ، وَفِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُوصَى إلَيْهِمْ إذَا فَوَّضُوا التَّدْرِيسَ وَالنَّظَرَ مَعًا لِوَاحِدٍ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلِذَلِكَ إذَا فَوَّضَ التَّدْرِيسَ إلَى وَاحِدٍ مَنَعَهُ النَّظَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ فِيمَنْ بَعْدَهُمْ وَوَرَاءَ هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا أَوْصَى بِالنَّظَرِ وَحْدَهُ لِوَاحِدٍ، وَالثَّانِيَةُ إذَا أَوْصَى بِالنَّظَرِ لِوَاحِدٍ وَالتَّدْرِيسِ لِآخَرَ وَأَوْصَى بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ.
(أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) ، فَإِذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلتَّدْرِيسِ وَالنَّظَرِ مَعًا كَانَ النَّظَرُ وَالتَّدْرِيسُ لَهُ سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ بِهِمَا أَمْ بِأَحَدِهِمَا لِقَوْلِ الْوَاقِفِ " فَإِلَى مَنْ يُفَوِّضُ إلَيْهِ وَيَنُصُّ عَلَيْهِ " وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِهِمَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الصَّلَاحِيَّةِ لِلْمَجْمُوعِ وَكَقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ التَّدْرِيسُ لَهُ وَالنَّظَرُ أَمَّا إذَا أَوْصَى لِمَنْ يَصْلُحُ لِلتَّدْرِيسِ فَقَطْ، أَوْ النَّظَرِ فَقَطْ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا لَهُ وَهَلْ يَكُونُ لَهُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لَفْظُ الْوَاقِفِ سَاكِتٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِصِحَّتِهِ لِكَوْنِ الْوَاقِفِ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا نَحْكُمُ بِالْبُطْلَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبُطْلَانُ إلَّا فِيمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِوَصِيَّتِهِ فِي الْمَجْمُوعِ مَدْلُولٌ عَلَى صِحَّتِهَا وَالْعَمَلَ بِوَصِيَّتِهِ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ النَّظَرُ لَيْسَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَدَمِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَمَلِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ بِوَصِيَّتِهِ فِي التَّدْرِيسِ بِتَتَبُّعِ النَّظَرِ فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِيصَاءِ.
وَهَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي كَوْنِهِ إذَا أَوْصَى لَهُ فِي شَيْءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute