للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرَانِ لَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ أَحَدُهُمَا لِلْحَاكِمِ، وَهُوَ نَصِيبُ الْمُدَرِّسِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالْمُتَصَدَّرِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ، وَلَا لِلْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي تَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لَأَنْ يَكُونَ مُصَرِّفَ هَذَا الْوَقْفِ وَمُحِلَّهُ وَمُتَنَاوِلَهُ، وَهُوَ إلَى الْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ الَّذِي يُنَصِّبُهُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ هَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا مَا لَا يَكُونُ رُتْبَةً فِي الدِّينِ مِثْلُ تَوْلِيَةِ قَيِّمٍ وَفَرَّاشٍ وَنَحْوِهِ فَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَرَى الْحَاكِمُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْوَاقِفُ، أَوْ النَّاظِرُ وَهَذَا الْمَكَانَ لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ ظَهَرَ لَهُ فَلَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ مَعَ مَا ظَهَرَ لِلْحَاكِمِ مِمَّا يَقْتَضِي مَنْعَهُ لَا أَقُولُ قَادِحًا بَلْ مَصْلَحَةً خَاصَّةً تَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُؤْتَمَنُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَيْسَ بِالتَّشَهِّي، وَلَا بِالْمَيْلِ وَالْهَوَى، بَلْ بِقَصْدِ الْحَقِّ، وَهُوَ مَقَامٌ خَطَرٌ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ إلَّا الْمُوَفَّقُونَ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ وَعَيَّنَ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فِي الْوَقْفِ، أَوْ الْوَاقِفُ وَاحِدًا اتَّبَعَ تَعْيِينَهُ وَجَازَ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَيْهِ لَا أَشُكُّ فِي ذَلِكَ، وَلَا أَرْتَابُ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبُهُ فِي الدِّينِ كَالْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا لِكَوْنِهِ يَقْتَضِي رُتْبَةً فِي الْعِلْمِ، أَوْ الدِّينِ لَا يَكُونُ مُفَوَّضًا إلَّا إلَى الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ، وَلَا لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ فِيهِ حَدِيثٌ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ بِلَفْظِ التَّعْيِينِ وَبِلَفْظِ التَّوْلِيَةِ وَيَجُوزُ لِلْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ الَّذِي مِنْ جِهَتِهِ عَزْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَعْزِلَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَإِنَّمَا قُلْت يَجُوزُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي إسْكَانِ هَذِهِ الدَّارِ لِفَقِيرِ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا أَسْكَنَهَا فَقِيرًا مُدَّةً لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَلَيْسَ تَعْيِينُهُ لِذَلِكَ تَصْيِيرًا لَهُ كَأَنَّهُ مُرَادٌ لِلْوَاقِفِ حَتَّى يَمْتَنِعَ تَغْيِيرُهُ كَمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ بَحَثْت مَعَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ لِمَا مَثَّلْته لَك مِنْ سُكْنَى الدَّارِ؛ لِأَنَّ تَدْرِيسَهُ فِي كُلِّ مُدَّةٍ كَانْتِفَاعِهِ لَمْ يَقْصِرْهُ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْمَنَافِعُ كَالْأَعْيَانِ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي صَدَقَةِ دِرْهَمَيْنِ عَلَى مَنْ يَرَاهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>