للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِشَخْصٍ وَدِرْهَمًا لِآخَرَ كَذَلِكَ الْمَنَافِعُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَهَا لِشَخْصٍ وَبَعْضَهَا لِآخَرَ فَكَذَلِكَ التَّدْرِيسُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مُدَّةً لِشَخْصٍ وَمُدَّةً لِآخَرَ وَالنَّاظِرُ الْخَاصُّ وَالْوَاقِفُ يَتَصَرَّفَانِ، لِأَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ النَّظَرَ بَقِيَّةٌ مِمَّا كَانَ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ تَقْيِيدُ تَصَرُّفِهِمَا بِالْمَصْلَحَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ احْتِرَازًا مِنْ عَزْلِ الْحَاكِمِ نَائِبَهُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَسْتَنِيبَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ وَغَيْرِ مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ.

وَلَوْ بَاشَرَ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا بِنَفْسِهِ لَجَازَ فَكَيْفَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ إذَا اسْتَنَابَ أَنْ لَا يَعْزِلَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ هَذَا مَا لَا يَصِيرُ لَكِنَّا نَرَى الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الْقُلُوبِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ.

فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ النَّاظِرَ الْخَاصَّ إذَا وَلَّى الْمُدَرِّسَ صَحَّ، وَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يُوَلِّيهِ إلَّا إنْ ظَهَرَ لَهُ تَعَيَّنَ تَوْلِيَتُهُ وَامْتِنَاعُ النَّاظِرِ الْخَاصِّ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَطَّاهَا الْحَاكِمُ، أَوْ يَجْبُرُ النَّاظِرُ عَلَيْهَا، وَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ مَنْعَ ذَلِكَ الْمُدَرِّسِ مِنْ دُخُولِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ امْتَنَعَ عَلَى النَّاظِرِ تَوْلِيَتُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَلَّاهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ جَهِلَ بَعْضُ الْحُكَّامِ فَوَلَّى بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مَعَ وُجُودِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَنْ لَا يُوَلِّيَ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ أَهْلِيَّتَهُ، وَمَعْرِفَتُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ وَإِمَّا أَنْ يُرَاجِعَ الْحَاكِمَ فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَوَقَفَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَصِّبَ فِيهِ إمَامًا، بَلْ ذَلِكَ وَظِيفَةُ الْحَاكِمِ.

قُلْت: إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ سَكَتَ عَنْ شَرْطِ النَّظَرِ، وَقُلْنَا: النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ قَدْ وَقَفَ عَلَى الْإِمَامِ وَقْفًا وَنَظَرَهُ لَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَسْجِدُ فَقَطْ بِدُونِ وَقْفٍ عَلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ شَرْطَ النَّظَرِ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْمَسْجِدِ وَقْفُ تَحْرِيرٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ نَظَرُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَلَا يَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ نَظَرٌ بِخِلَافِ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ وَقْفَهَا لَيْسَ وَقْفَ تَحْرِيرٍ وَمِنْ هَذَا نَتَنَبَّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ مَسْجِدًا وَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقْفًا وَشَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَشَرْطُ النَّظَرِ فِي الْوَقْفِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَفِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>