وَتَنْفِيذِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ فَرَأَيْتهمَا اقْتَصَرَا عَلَى مُجَرَّدِ التَّنْفِيذِ، وَالتَّنْفِيذُ لَيْسَ حُكْمًا مُبْتَدَأً وَإِنَّمَا هُوَ بِنًى عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ حُكْمَهُ.
ثُمَّ نَظَرْت فِي الْحُكْمِ بِأَنَّ الْيُونِينِيّ لَا دَافِعَ لَهُ وَهَذَا إنْ كَانَ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِعَدَمِ الدَّافِعِ فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ الْيُونِينِيّ كَانَ قَدْ حَصَلَ عَلَيْهِ تَعَصُّبٌ عَظِيمٌ وَظُلْمٌ كَثِيرٌ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ فِي التَّرْسِيمِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ لُزُومُ حُكْمِ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُبْدُوا دَافِعًا وَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةٌ وَلَا غَائِبَةٌ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً سُمِعَتْ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهَا وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِعَدَمِ الدَّافِعِ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِعَدَمِ الدَّافِعِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ عَلَى مَنْ أَبْدَى دَافِعًا وَبَانَ لِلْحَاكِمِ بُطْلَانُهُ فَنَحْكُمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الدَّافِعِ الْمُعَيَّنِ أَوْ عَلَى مَنْ يَكُونُ طُلِبَ مِنْهُ دَافِعٌ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ عَنْ وَقْتِهِ وَأَمَّا شَخْصٌ يُرَسَّمُ عَلَيْهِ مَقْهُورٌ لَهُ دَوَافِعُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ دَافِعِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ.
ثُمَّ تَمَهَّلْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً وَأَنَا أَنْظُرُ وَأُرَاجِعُ مَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَمَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَثَبَتَ عِنْدِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالتَّوَاتُرِ مَا حَصَلَ عَلَى تَقِيِّ الدِّينِ الْيُونِينِيّ مِنْ التَّعَصُّبِ وَالظُّلْمِ وَالْقُوَّةِ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِ بِمَنْ تَعْجِزُ عَنْهُ قُدْرَتُهُ وَأَنَّ هَذَا الْمَكَانَ أُخِذَ مِنْهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا بَعْدَ أَنْ عَمَّرَ فِيهِ بِأَعْيَانِ أَمْوَالِهِ أَضْعَافَ أَضْعَافِهِ وَعِمَارَتُهُ بِعَيْنِهَا وَاسْتَوْلَى هَؤُلَاءِ عَلَى الْجَمِيعِ بَغْيًا وَعُدْوَانًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَاصِرٌ غَيْرَ اللَّهِ، وَغَيَّرُوا الْخَوَاطِرَ عَلَيْهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى الدُّخُولِ إلَى دِمَشْقَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَلَبَاتِ الرِّجَالِ، مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَصُورَتِهِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَثَبَتَ وَاتَّضَحَ وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَمَرَنَا بِنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَتَرَافَعَ الْخُصُومُ الْمَذْكُورُونَ إلَيَّ، وَحَضَرُوا عِنْدِي وَعِنْدَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْمُقِرُّ السَّيْفِيُّ ايتمش مرات، وَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ وَذَكَرْت لَهُ قَالَ لِي اُحْكُمْ فَحَكَمْت بِرَفْعِ أَوْلَادِ مَحْمُودٍ وَبُورِي وَإِثْبَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute