مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِمَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ لِلْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءِ لَفْظِهِ.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْكَلَامِ فِي الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْمُجَرَّدِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ حَتَّى يُبْرِزَهُ فِي لَفْظٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ شَرْعًا وَسَتَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إلَى هَذَا الْبَحْثِ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي هَلْ هُوَ مُنْجَزٌ أَوْ مُعَلَّقٌ إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي هَلْ نَقُولُ إنَّ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مُعَلَّقٌ عَلَى انْقِرَاضِ الْأَوْلَادِ وَاغْتُفِرَ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ أَوْ نَقُولُ الْوَقْفُ مُنْجَزٌ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.
وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي فَإِنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يُعْقَلُ تَعْلِيقُهُ وَإِنَّمَا الْمُنْشَأُ مُرَتَّبٌ بِحَسَبِ مَا أَنْشَأَهُ كَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُنْسَبُ إلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِك: جَعَلْت هَذَا لِزَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو فَالْجَعْلُ مِنْك الْآنَ وَالْمُرَتَّبُ أَثَرُ ذَلِكَ الْجَعْلِ وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ إنْشَاءُ الْوَاقِفِ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ الْآنَ وَأَثَرُ ذَلِكَ الْإِنْشَاءِ وَقْفِيَّتُهُ وَهُنَا مَرَاتِبُ: (إحْدَاهَا) انْتِصَابُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ أَثَرُ فِعْلِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبُطُونِ كُلِّهَا وَهُوَ حَاصِلٌ الْآنَ مَعَ تَصَرُّفِ الْوَاقِفِ أَوْ عَقِبِهِ.
(وَثَانِيهَا) مَصِيرُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ.
(وَثَالِثُهَا) اتِّصَافُهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِمْ إلَّا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ فَيُوصَفُونَ بِهِ فِي الْقِدَمِ.
(وَرَابِعُهَا) أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَوَصْفُهُمْ بِهِ أَبْعَدُ وَلِذَلِكَ اقْتَضَى نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ أَهْلَ الْوَقْفِ هُمْ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ التَّنَاوُلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَا يُوصَفُونَ قَبْلَهُ بِهِ.
وَأَمَّا وَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَصْحَابُ، وَمَحَلُّ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ فِيمَنْ يَتَّصِفُ فِي ثَانِي حَالٍ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا مَنْ يَمُوتُ مِنْ الْأَوْلَادِ الْبَاقِينَ قَبْلَ مَصِيرِ الْوَقْفِ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَقْفِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَمْرٌو مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ زَيْدٍ لِتَسْمِيَتِهِ، مِثْلُ حَبْسِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ الْأَوْلَادِ، وَأَمَّا وَلَدُ وَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَلَا.
وَالِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَشْهَدُ لَهُمَا وَإِنَّمَا احْتَجْنَا إلَى النَّظَرِ فِي هَذَا لِقَوْلِ الْوَاقِفِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَاحْتَجْنَا إلَى مَعْرِفَةِ أَنَّهُ هَلْ يُسَمَّى ذَلِكَ الْوَقْتَ قَبْلَ وُجُودِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَمْ لَا فَإِنْ سُمِّيَ صَحَّ