للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتِمَالُ إرَادَتِهِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ يَبْقَى نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي تَسْمِيَتِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ حَالَةُ الْإِطْلَاقِ وَهِيَ حَالَةُ إنْشَاءِ الْوَاقِفِ وَتَكَلُّمِهِ بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ حَالَتُهُ الَّتِي سَتَأْتِي.

وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا فِي الْآيَاتِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ قُبَيْلَ وُجُودِ أَصْحَابِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] وَنَحْوُهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَارِقًا حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ، وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: ٦] فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مُشْرِكٍ اسْتَجَارَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ نُزُولِهَا فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ صَارَ إلَيْهِ الْوَقْفُ وَمَاتَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ إلَيْهِ كَانَ دَاخِلًا فِي حُكْمِهِ.

فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ يُسْتَفَادُ وَيُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيمَا نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْوَقْفِ، فَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ قَوَاعِدُ أُمَّهَاتٍ فِي بَابِ الْوَقْفِ يَنْتَفِعُ بِهَا الْفَقِيهُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِبَابِ الْوَقْفِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيهِ.

وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ هَذَا الْوَقْفِ قَوْلُهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، وَظَاهِرُهُ تَعْلِيقُ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى الثَّانِي بِانْقِرَاضِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْنَا فِي كُلِّ وَقْفٍ كَذَلِكَ كَانَ تَصْرِيحًا بِالْغَرَضِ وَإِنْ قُلْنَا فِي غَيْرِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ التَّعْلِيقُ إنَّمَا هُوَ لِلِاتِّفَاقِ فَإِمَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ كَلَامُ هَذَا الْوَاقِفِ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُجْعَلُ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِهِ.

(فَرْعٌ) لَهُ وَقْعٌ وَيَنْبَغِي التَّمَهُّلُ فِيهِ: كَانَتْ جَاءَتْنِي فَتْوَى فِي مِصْرَ مِنْ مُدَّةٍ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَبَحَثْت فِيهَا فِي أَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ بَطَلَ فَالْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مُعَلَّقٌ عَلَى مَوْتِهِ وَالْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَوْتِ صَحِيحٌ، ثُمَّ رَأَيْت مَعْنَى هَذَا فِي بَحْثٍ لِابْنِ شُرَيْحٍ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَرَأَيْت كَلَامَ الْأَصْحَابِ كَالْمُصَرَّحِ بَعْدَهُ مِنْ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَارِثِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ.

وَالْآنَ عَرَضَتْ فَتْوَى وَوَاقِعَةٌ: رَجُلٌ مَرِيضٌ مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ أَوْصَى بِوَصَايَا وَجَعَلَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى قُرَّاءٍ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ وَمَاتَ عَنْ قُرْبٍ فَهَذَا يُظْهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ وَإِنَّمَا لِشُحِّهِ جَعَلَهُ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا فَيَقْوَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى قَصْدِهِ وَيُصَحَّحَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقُرَّاءِ كَالْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا إيَّاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>