للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ بِضَمٍّ وَبِفَتْحٍ وَلُحْمَةُ الْبَازِي مَا يُطْعَمُ مِمَّا يَصِيدُهُ بِضَمٍّ وَبِفَتْحٍ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اُخْتُلِفَ فِي ضَمِّ اللُّحْمَةِ وَفَتْحِهَا فَقِيلَ هِيَ فِي النَّسَبِ بِالضَّمِّ وَفِي الثَّوْبِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَقِيلَ الثَّوْبُ بِالْفَتْحِ وَحْدَهُ وَقِيلَ النَّسَبُ وَالثَّوْبُ فَالْفَتْحِ فَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهُوَ مَا يُصَادُ بِهِ الصَّيْدُ.

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُخَالَطَةُ فِي الْوَلَاءِ وَأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى النَّسَبِ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا تُخَالِطُ اللُّحْمَةُ سُدَاءَ الثَّوْبِ حَتَّى يَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُدَاخَلَةِ الشَّدِيدَةِ.

انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْأَثِيرِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ لُحْمَةَ النَّسَبِ مُشَبَّهَةٌ بِلُحْمَةِ الثَّوْبِ تَشْبِيهًا لِلِاخْتِلَاطِ الْمَعْنَوِيِّ بِالِاخْتِلَاطِ الْحِسِّيِّ وَالْوَلَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّسَبِ شَبَهُ الِاخْتِلَاطِ الْحَاصِلِ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَالْمُعْتِقِ وَعَصَبَاتُهُ بِالِاخْتِلَاطِ الْحَاصِلِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ وَأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ هَذَا الْحُكْمِ شَرْعًا وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي تَحْقِيقِ هَذَا التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: تَنْزِيلُ الْعَتِيقِ مَنْزِلَةَ وَلَدِ الْمُعْتِقِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ مِنْ قَهْرِ الْعُبُودِيَّةِ إلَى سَعَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالنُّقْصَانِ إلَى الْكَمَالِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ صَيَّرَهُ بِحَيْثُ يَلِي وَيَشْهَدُ وَيَرِثُ وَيَنْكِحُ أَرْبَعًا وَيُطَلِّقُ ثَلَاثًا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مُتَفَرِّغًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْصِيلِ مَصَالِحِ نَفْسِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَشْبَهَ الْأَبَ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِإِيجَادِ الِابْنِ وَلَا شَيْءَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الْإِعْتَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] يَعْنِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ، وَيُنَاسِبُ تَنْزِيلُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ قَوْلَ مَنْ يُوَرِّثُ بِنْتَ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتِ وَلَا يَطَّرِدُ فِي أُخْتِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمَّةِ وَالْعَمَّةُ لَا تَرِثُ وَلَا فِي بِنْتِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأَخِ تَرِثُ.

الْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَتِيقُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ لِلْمُعْتِقِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: ٥] وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا «الْمُولَى أَخٌ فِي الدِّينِ وَنِعْمَةٌ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمُعْتِقِ» وَيُنَاسِبُ هَذَا التَّنْزِيلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: الْبِنْتُ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ.

الْمَعْنَى الثَّالِثَ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَى خُصُوصِ بُنُوَّةٍ وَلَا أُخُوَّةٍ وَلَكِنْ يُنْظَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>