إلَى الْمُعْتِقِ وَجَمِيعِ عَصَبَاتِهِ فَنَجْعَلُ الْعَتِيقَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، كَأَنَّهُ أُلْصِقَ بِهِمْ وَاخْتَلَطَ وَصَارَ مَعَهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ الْمُعْتِقُ عَلَى عَصَبَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِنِعْمَتِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَلَّى النِّعْمَةَ وَأَعْطَى الثَّمَنَ فَنَاسَبَ تَقْدِيمُهُ ثُمَّ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ الْوَلِيُّ يُرَادُ لِلِانْتِصَارِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّعَاضُدِ اخْتَصَّ بِالرِّجَالِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِنَاثِ فِيهِ حَظٌّ إلَّا إذَا أَعْتَقْنَ.
وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَجَاءَ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ وَوَلِيِّ النِّعْمَةِ» تَنْزِيلُ الْوَلَاءِ مَنْزِلَةَ النَّسَبِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ وَلِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ النَّسَبِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ أَنَّ ابْنَ وَضَّاحٍ أَنْ يَكُونَ وَهَبْته مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَانْظُرْ كَيْفَ قَرَنَ النَّسَبَ مَعَ الْوَلَاءِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وَعِيدِ التَّبَرُّؤِ مِنْهُمَا وَلِأَجْلِ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ النَّسَبِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ بِهِ إلَّا بَعْدَ النَّسَبِ الَّذِي يُوَرَّثُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْمَحْمُولُ عَلَى الشَّيْءِ دُونَهُ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ مُطْلَقًا: إنَّ النِّسَاءَ لَا حَظَّ لَهُنَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا تَبَاعَدَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ لِمَا قُلْنَاهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ النِّسَاءُ بِهِ كَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَالْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْ النَّسَبِ الْبَعِيدِ وَأَبْعَدُ عَنْهُ وَأَوْلَى أَنْ لَا يَرِثَ النِّسَاءُ بِهِ وَاسْتِنْبَاطُ هَذَا الْمَنْقُولِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ شُرَيْحٍ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: دَلِيلُنَا نُكْتَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ وَهُوَ إذَا قَالَ: النِّسَاءُ إنَّمَا يَرِثْنَ بِالنَّسَبِ الْمُتَدَانِي وَلَا يَرِثْنَ بِالنَّسَبِ الْمُتَبَاعِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَالْأُمَّ وَالْجَدَّةَ وَالْأُخْتَ لَمَّا تَدَانَتْ أَنْسَابُهُنَّ وَرِثْنَ وَبِنْتُ الْأَخِ وَالْعَمَّةُ لَمَّا تَبَاعَدَتْ أَنْسَابُهُنَّ لَمْ يَرِثْنَ وَبِنْتُ، الْمَوْلَى أَبْعَدُ مِمَّنْ تَبَاعَدَ نَسَبُهُ مِنْ نِسَاءِ الْمُنَاسِبِينَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ وَالْإِرْثُ بِهِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِرْثِ بِالنَّسَبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْمَوْلَى شَيْئًا.
قَالَ أَصْحَابُنَا: أَخَذُوا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَصَاغُوا لَهُ عِبَارَةً أُخْرَى فَقَالُوا: لَوْ وَرَّثْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute