عَنْ الْأَوَّلِ بَلْ وَصِيَّةُ الْأَوَّلِ بَاقِيَةٌ وَوَصِيَّةُ الِاثْنَيْنِ وَالنَّاظِرِ بَاقِيَةٌ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي تَصَرُّفِ الثَّانِيَيْنِ مَعَ النَّاظِرِ عَلَيْهِمَا مُوَافَقَةُ الْأَوَّلِ أَوَّلًا، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي تَصَرُّفِ الْأَوَّلِ مُوَافَقَةُ الثَّانِيَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا. وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاطَ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَمِلْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقُلْت: إنِّي رَأَيْت كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَشْهَدُ لَهُ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَجَازَ أَوْ لَمْ يُجِزْ، وَأَنَا الْآنَ أَمِيلُ إلَى مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُهُمْ بَلْ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالنَّاظِرِ وَلِلثَّانِيَيْنِ وَالنَّاظِرِ أَنْ يَنْفَرِدُوا عَنْ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الثَّانِيَيْنِ وَالنَّاظِرِ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ صَاحِبَيْهِ؛ فَعَلَى هَذَا الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كَتَبَهُ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَرْت عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: وَكَّلْت زَيْدًا فِي بَيْعِ دَارِي، ثُمَّ قَالَ: وَكَّلْت عَمْرًا فِي بَيْعِ دَارِي فَمُقْتَضَى اللَّفْظِ أَنَّهُ أَذِنَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْت كُلًّا مِنْهُمَا وَكِيلًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: جَعَلْت كُلًّا مِنْهُمَا وَصِيًّا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ جَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِلَا خِلَافٍ. انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) وَصَّى قَرَابَغَا أَنْ يُوقَفَ عَنْهُ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ حِصَّةٌ فِي ضَيْعَةٍ وَأَنْ يُشْتَرَى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ حِصَّةً مَعْلُومَةً مِنْ ضَيْعَةٍ أُخْرَى عَيَّنَهَا وَيُوقَفُ عَلَى تُرْبَتِهِ وَمَسْجِدِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الضَّيْعَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ مِلْكَهُ وَلَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهَا؛ لِأَنَّهَا وَقْفٌ وَالثَّانِيَةُ تَعَذَّرَ شِرَاؤُهَا وَأَرَادَ أَوْصِيَاؤُهُ أَنْ يَشْتَرُوا طَاحُونًا وَيُوقِفُوهَا بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَتْ الطَّاحُونُ لِأَيْتَامٍ قَصَدَ الْمُتَكَلِّمُ لِلْأَيْتَامِ بَيْعَهَا عَلَيْهِمْ فِي وَفَاءِ دَيْنِ أَبِيهِمْ فَقِيلَ: إنَّ الطَّاحُونَ الْمَذْكُورَةَ وَرِثَهَا الْأَيْتَامُ مِنْ أُمِّهِمْ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهَا لَكِنْ لَهُمْ أَمْلَاكٌ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِمْ دَيْنُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَبَيْعُ الطَّاحُونِ وَتَبْقِيَةُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَمْلَاكِ أَصْلَحُ لَهُمْ مِنْ بَيْعِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَمْلَاكِ؛ فَعَرَضَ هُنَا مَسْأَلَتَانِ يَجِبُ النَّظَرُ فِيهِمَا:
(إحْدَاهُمَا) صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِمَا تَقَدَّمَ وَحُكْمُهَا فَأَمَّا الضَّيْعَةُ الَّتِي أَظُنُّ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَتَبَيَّنَ وَقْفِيَّتُهَا فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِوَقْفِ عَيْنِهَا وَلَكِنْ هَلْ يُوقَفُ غَيْرُهَا مَكَانَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ أَرَ فِي مَذْهَبِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute