نَقْلًا فِي ذَلِكَ إلَى الْآنَ وَلَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَكِنْ فِي الْمُغْنِي مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَبْلَ آخِرِهِ بِسِتِّ وَرَقَاتٍ: وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي وَلَا عَبِيدَ لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِلَا شَيْءٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِمَا فِي كِيسِي وَلَا شَيْءَ فِيهِ أَوْ بِدَارِي وَلَا دَارَ لَهُ.
فَإِنْ اشْتَرَى قَبْلَ مَوْتِهِ عَبْدًا احْتَمَلَ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِمَا فِي كِيسِي وَلَا شَيْءَ فِيهِ ثُمَّ جَعَلَ فِي كِيسِهِ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ: أَعْطُوا فُلَانًا مِنْ كِيسِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُوجَدْ فِي كِيسِهِ شَيْءٌ يُعْطَى مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إعْطَاءَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَظَنَّهَا فِي الْكِيسِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْكِيسِ أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِهِ. فَكَذَلِكَ تَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ أَنْ يُشْتَرَى مِنْ تَرِكَتِهِ عَبْدٌ وَيُعْطَى إيَّاهُ. انْتَهَى.
وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ يَشْهَدُ لِمَسْأَلَتِنَا وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَبِيدِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَزَانَ مَسْأَلَةِ الْعَبِيدِ أَنْ يَقُولَ: اُعْطُوهُ أَلْفًا مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي فِي الْكِيسِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ: أَعْطُوهُ أَلْفًا مِنْ الْكِيسِ وَالْإِعْطَاءُ مِنْ الْكِيسِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوهُ عَبْدًا مِنْ الدَّارِ وَمِنْ الْمَسْجِدِ فَهَذَا يُفَارِقُ، تِلْكَ مَسْأَلَةُ الْعَبِيدِ وَمَسْأَلَتُنَا وَنَعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ بِنَصِّ أَحْمَدَ لَا فِي هَذِهِ وَلَا فِي هَذِهِ، وَالْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّ وُجُودَ الدَّرَاهِمِ فِي تَرِكَتِهِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُوصَى بِهِ جُزْءٌ مِنْهَا وَإِنَّمَا جَعَلَ الْكِيسَ مَحِلَ ابْتِدَاءِ تَمَامِ الْإِعْطَاءِ فَالْمُوصَى بِهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ.
وَلَوْ قَالَ: بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي فِي الْكِيسِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَرَاهِمُ كَانَ ذَلِكَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَدْ خَرَّجُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي وَلَا كَانَ لَهُ رَقِيقٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَلَا يَوْمَ الْمَوْتِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ.
الَّذِي أَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ الْوَصِيَّةَ بِالْوَقْفِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْوَقْفِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَنْفَعَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ الْمَذْكُورَ شَرَعَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَالتُّرْبَةِ وَتَحْصِيلِ وَقْفٍ لَهُمَا وَأَنْفَقَ مِنْهُ إنْفَاقَ الضَّيْعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ مَالِهِ مَبْلَغًا وَأَرْصُدَهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ لِيَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُوقِفُهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ غَرَضَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute