ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ سِتَّةُ مَذَاهِبَ:
(أَحَدُهَا) أَنَّهَا وَالدَّيْنَ سَوَاءٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ السَّلَفِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ.
(وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا.
(وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهَا ضُمِنَتْ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَمَلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ.
(وَالسَّادِسُ) إنْ كَانَ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ: عِنْدِي وَدِيعَةٌ ضُمِنَتْ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ تَصَرَّفَ وَاسْتَعْمَلَ عِنْدِي بِمَعْنَى عَلَيَّ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَحَمَلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ نُسِبَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ بِحِكَايَتِهِ إيَّاهُمَا وَهُوَ مَعَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ رَجَّحُوا الضَّمَانَ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرُوا لَهُ مَأْخَذَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَدَاءَ الْوَدِيعَةِ وَاجِبٌ وَالْمَسْقَطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَا نَتْرُكُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ وَمُنِعَ هَذَا بِأَنَّ الْأَدَاءَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ وُجُودِهَا.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ وَضَعَ وَدِيعَةً فِي مَكَان وَجَهِلْنَاهُ فَيَضْمَنُهَا.
وَاَلَّذِي قَالَ: إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهَا ضَمِنَهَا مَأْخَذُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْوَدِيعَةُ وَأَنَّهَا اخْتَلَطَتْ بِجِنْسِهَا مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا هَلْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ أَوْ يُزَاحِمُهُمْ وَأَنَا أَخْتَارُ التَّقَدُّمَ وَأَقُولُ بِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا اسْتِعْمَالًا لِجَمِيعِ الْأُصُولِ مِنْ كَوْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُودَعِ أَمِينًا لَا تُنْسَبُ إلَيْهِ خِيَانَةٌ وَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ وَالْحُكْمُ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ بَاقِيَةٌ وَنَعْنِي بِجِنْسِ الْوَدِيعَةِ مَا كَانَ عَلَى صِفَتِهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ هِيَ أَوْ بَعْضُهَا. وَمَنْ قَالَ إنْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: عِنْدِي وَدِيعَةٌ ضَمِنَ قَدْ بَيَّنَ مَأْخَذَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ كَمَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ، أَنَّهَا عِنْدَهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَإِقْرَارُهُ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهَا فِي الذِّمَّةِ فَلِذَلِكَ اخْتَرْت الْقَوْلَ الْمُتَقَدِّمَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا أَمَانَةٌ مُطْلَقًا لَا يَخْفَى وَجْهُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَاهُ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ يَحْكُونَ ثَلَاثَةً خَاصَّةً: الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالْمَاوَرْدِيُّ حَكَى أَرْبَعَةً فَأَدْخَلَ الرَّابِعَ مَعَهَا.
وَلَمْ يَذْكُرْ