للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَهُمَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالْعُكْلِيِّ فَلَيْسَا مَعْدُودَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَطْلَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ هَكَذَا مِنْ تَعْوِيضٍ لَأَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ مَاتَ فَجْأَةً وَقُتِلَ بَغْتَةً أَوْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَسَبَبُهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ جَارٍ فِي الْأَحْوَالِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُ الضَّمَانُ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ.

وَحَيْثُ قُلْنَا بِالضَّمَانِ هُنَا فَهُوَ ضَمَانُ الْفِقْدَانِ لَا ضَمَانَ الْعُدْوَانِ فَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ سَبَبٌ عُدْوَانِيٌّ يَقْتَضِي الضَّمَانَ.

فَحَيْثُ قُلْنَا فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ: يَضْمَنُ أَوْ لَا يَضْمَنُ فَلَيْسَ مُرَادُنَا إلَّا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ سَبَبُ الضَّمَانَيْنِ وَقَدْ يَرْتَفِعَانِ وَقَدْ يُوجَدُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الرَّافِعِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ تَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَظَاهِرِ النَّصِّ وَلَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى وَوَصَفَ الْوَدِيعَةَ فَلَمْ تُوجَدْ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ تَبِعَهُ فِي التَّصْوِيرِ وَزَادَ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَصَحَّحَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّصَّ وَذَكَرَ وَجْهَ أَبِي إِسْحَاقَ عَلَى زَعْمِهِ الْمُفَصَّلَ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهَا أَوْ لَا.

وَوَجْهُ المروذي فَإِنْ أَرَادَ مَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ الضَّمَانِ بِسَبَبِ فَقْدِهَا مِنْ التَّرِكَةِ فَهُوَ فِي حِكَايَةِ عَدَمِ الضَّمَانِ مُوَافِقٌ لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَهُوَ فِي تَصْحِيحِهِ مُخَالِفٌ لِلْجُمْهُورِ وَإِنْ أَرَادَ الضَّمَانَ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى وَوَصَفَ فَكَيْفَ تَأْتِي الثَّلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَالرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامُ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَصِيَّةِ وَتَرَكَهَا وَذَكَرُوا الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ التَّضْمِينَ سَبَبُ تَرْكِ الْإِيصَاءِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَصْحَابِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْفَقْدِ فَكَأَنَّهُمْ جَمَعُوا الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالصَّوَابُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا وَذَكَرُوا الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ جِنْسَ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَصِفْهَا فَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ: يَضْمَنُ خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ.

فَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ يُثَبِّتُ هَذَا الْخِلَافَ إذَا وَصَفَهَا أَيْضًا وَلَمْ تُوجَدْ وَيَقُولُ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>