للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوهُ فِي " عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ " وَهُوَ مُضَافٌ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ لَا يَقْتَسِمُ مَا أَتْرُكُهُ لِجِهَةِ الْإِرْثِ فَإِنَّك إذَا قُلْت: لَا يَقْتَسِمُ أَوْلَادِي دِرْهَمًا كَانَ نَفْيًا عَامًا لِلِاقْتِسَامِ عَنْ الْإِرْثِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْمَقْصُودُ فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الِاقْتِسَامِ عَنْ جِهَةِ الْإِرْثِ فَلِذَلِكَ أَتَى بِلَفْظِ وَرَثَتِي لِيَكُونَ الْحُكْمُ مُعَلَّلًا بِمَا بِهِ الِاشْتِقَاقُ وَهُوَ الْإِرْثُ فَالْمَنْفِيُّ اقْتِسَامُهُمْ بِالْإِرْثِ.

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ إرْثَ غَيْرِ الْمَالِ هَلْ يَثْبُتُ كَالْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ وَالْعَفْوِ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَالَ لَا يُورَثُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا» وَمِمَّا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَإِنَّمَا تَرَكَ أَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً.

وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا» أَمَّا غَيْرُ الْمَالِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُورَثُ أَيْضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ «إنَّا مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرَّثُ» وَبِقَوْلِهِ «إنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ» .

إنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى " إنَّمَا " لِلْحَصْرِ، وَقَدْ يُقَالُ: نُوَرَّثُ وَإِنَّمَا لَيْسَتْ لِلْحَصْرِ، وَقَوْلُهُ: لَا نُوَرَّثُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَالِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ذَكَرَهَا الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِيمَا لَوْ قَالَ: عَفَى بَعْضُ بَنِي أَعْمَامِهِ عَنْ الْمُفْتَرَضِ وَلِي طَلَبُهُ. وَرَجَّحْت فِي كِتَابِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ أَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ إلَّا فِي الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحُقُوقَ كَالْمَالِ لَا تُوَرَّثُ.

ثُمَّ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا ثَبَتَ الْوَجْهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ لَا يَجْرِي فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَّا فِي أَوْلَادِ الْعَبَّاسِ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ هُوَ الَّذِي كَانَ عَاصِبًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي أَوْلَادِ فَاطِمَةَ لَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِنْ أُمِّهِمْ، أَمَّا بَقِيَّةُ بَنِي أَعْمَامِهِ فَلَا مَا دَامَ الْحُسَيْنِيُّونَ وَالْحَسَنِيُّونَ وَالْعَبَّاسِيُّونَ مَوْجُودِينَ، وَعَلَى تَفْرِيعِهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ لِشَخْصٍ مَعَ وُجُودِ مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَقِيلَ: هَذَا مِنْ تَفْرِيعِ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ وَلَكِنَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ يَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَرَثَتِي " سَمَّاهُمْ وَرَثَةً وَوِرَاثَةُ الْعِلْمِ لَا تَخْتَصُّ بِهِمْ هُوَ الْحَقُّ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) ذِكْرُ النَّفَقَةِ لِلنِّسَاءِ وَالْمُؤْنَةِ لِلْعَامِلِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَدْلُولِ النَّفَقَةِ وَمَدْلُولِ الْمُؤْنَةِ فَإِنْ كَانَا وَاحِدًا فَلِمَ غَايَرَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فَتَبَيَّنَ اخْتِلَافُهُمَا ثُمَّ سَبَبُ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا خُصَّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.

وَالْجَوَابُ قَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَ الْمُؤْنَةَ فِي النِّسَاءِ فَلَا فَرْقَ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَدْ رَأَيْت فِي كَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>