للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ؛ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: حَسِبْت أَنْ تَقُومَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَقْعُدَ؟ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ مِثْلُهُ مَسْمُوعًا مِنْ الْعَرَبِ كَانَ ذِكْرُ الْمَذْهَبَيْنِ حَاصِلًا بِبَعْضِ مَوَارِدِهَا، وَهُوَ مَا إذَا تَمَّ الْكَلَامُ دُونَ مَا إذَا لَمْ يُتِمَّ؛ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ الْعَرَبِ أَجْرَيْنَا كَلَامَ النُّحَاةِ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ وَرَدَدْنَا كَلَامَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي اقْتِضَائِهِ التَّصْرِيحَ بِالْمَفْعُولَيْنِ.

وَاَلَّذِي نَذْهَبُ نَحْنُ إلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَنِّي أَجْعَلُ " أَنْ يُتْرَكُوا " سَادًّا مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ مَعَ تَقْيِيدِ التَّرْكِ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا} [العنكبوت: ٢] وَهُوَ عِلَّةُ التَّرْكِ {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] وَهُوَ حَالٌ مِنْهُ وَالْفِعْلُ يَتَقَيَّدُ بِعِلَّتِهِ وَحَالِهِ وَالْعَامِلِ فِيهِمَا " يُتْرَكُوا " وَهُمَا مَعَ " يُتْرَكُوا " مِنْ صِلَةِ " أَنْ " وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْحَالِ عَلَى الصِّلَةِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا فِي آخَرِ الصِّلَةِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ (أَنْ يَقُولُوا) وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّرْكِ كَمَا قُلْنَا أَوْ لِلْحُسْبَانِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا.

وَمَعْنَاهُ رَاجِعٌ إلَى الْأَوَّلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي " يَقُولُوا " وَالْمُنْكَرُ حُسْبَانُ التَّرْكِ الْمُقَيَّدِ بِالصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، هَذَا قَوْلِي. وَأَمَّا الزَّمَخْشَرِيُّ فَيَجْعَلُ " أَنْ يُتْرَكُوا " مَفْعُولًا أَوَّلَ وَ (أَنْ يَقُولُوا) مَفْعُولًا ثَانِيًا وَإِنْ سَمَّاهُ خَبَرًا. وَيَجْعَلُهُ مَعْمُولًا لِمَحْذُوفٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِقَوْلِهِ {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] إلَّا أَنَّهُ قَالَ: غَيْرُ مَفْتُونِينَ فَإِنْ جَعَلَ قَوْلَهُ {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] مَفْعُولًا ثَانِيًا كَتَرْكِهِمْ لَمْ يَصِحَّ لِأَجْلِ الْوَاوِ، وَلِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَإِنْ جَعَلَهُ حَالًا لَمْ يَصِحَّ لَهُ جَعْلُهَا مِنْ التَّرْكِ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ، فَكَلَامُهُ عَجِيبٌ. (السُّؤَالُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ: الْمَضْمُونُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحُسْبَانُ هُوَ فِي قَوْلِهِ {أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَقْصُودِهِ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ كَوْنِهَا سَادَّةً مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ أَنَّ الْمَضْمُونَ فِيهَا، لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيَّنَ مُرَادَهُ.

(السُّؤَالُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ تَقْدِيرُهُ أَحَسِبُوا تَرْكَهُمْ، حَمَلَهُ عَلَيْهِ قَوْلُ النُّحَاةِ إنَّ " أَنْ وَالْفِعْلَ " بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَلَكِنْ قَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ بِذَلِكَ الْفَرْقِ أَنَّ تَقْدِيرَهُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى (السُّؤَالُ الْخَامِسُ) قَوْلُهُ غَيْرَ مَفْتُونِينَ وَتَقْدِيرُهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتَرْكِهِمْ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ وَقَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا} [العنكبوت: ٢] وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الْمَوْصُولِ. وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ غَيْرَ ذَلِكَ صَارَ تَقْدِيرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِلَا دَلِيلٍ وَذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُ.

(السُّؤَالُ السَّادِسِ) قَوْلُهُ إنَّ التَّرْكَ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ مَا الدَّاعِي إلَيْهِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ، وَلَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ وَالْإِهْمَالِ: وَكِلَاهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>