وَأَمَّا الِاسْتِحَالَةُ فَلِعَدَمِ مِلْكِ الزَّوْجِ أَرْبَعَ طَلْقَاتٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ طَلْقَةٌ وَيَقَعَ قَبْلَهَا ثَلَاثٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا إنْ وُجِدَتْ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَمْ تُوجَدْ الثَّلَاثُ قَبْلَهَا وَإِلَّا كُنَّ أَرْبَعًا وَإِنْ وُجِدَ فِي نِكَاحٍ آخَرَ بِأَنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبِينُ، وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ، وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ بُطْلَانُ النِّكَاحِ الثَّانِي وَبُطْلَانُ الطَّلَاقِ فِيهِ فَيَبْطُلُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْأَوَّلِ إلَى نَفْيِهِ، وَكُلَّمَا أَدَّى إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ بَطَلَ مِنْ أَصْلِهِ.
فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ بُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَهُ بَيْنُونَةٌ أُخْرَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؟ قُلْت لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَشَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْعِلْمُ بِالْبَيْنُونَةِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا فَيَتَزَوَّجُهَا غَيْرُهُ وَنُوَكِّلُهُ فِي طَلَاقِهَا فَيُطَلِّقُهَا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا؟ قُلْت كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْفَسْخِ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ نِكَاحِ غَيْرِهِ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ وَالطَّلَاقَ الْمُقْتَضِي بُطْلَانَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ فَعُلِمَ أَنَّ لُزُومَ طَلْقَاتِ ثَلَاثٍ لِطَلْقَةٍ بَعْدَهَا مُحَالٌ فَالتَّعْلِيقُ الْمُقْتَضِي لَهُ بَاطِلٌ فِيهِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَقُولُ بِبُطْلَانِهِ فِي غَيْرِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِينَ الْمُصَحِّحِ وَالْمُبْطِلِ بِقَدْرٍ.
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْمُنْجَزِ فَقَطْ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَلَهُ مَأْخَذَانِ: إحْدَاهُمَا إبْطَالُ التَّعْلِيقِ جُمْلَةً وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَالْأَصْلُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَلَا مُعَارِضَ يَقْتَضِي الْإِبْطَالَ فِي الْجَمِيعِ.
الثَّانِي قَطْعُ الدَّوْرِ مِنْ وَسَطِهِ فَيَصِحُّ الْمُنْجَزُ وَيَبْطُلُ الْمُعَلَّقُ الَّذِي هُوَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْضِي بُطْلَانَ مَجْمُوعِ الْمُعَلَّقِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، أَمَّا بُطْلَانُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ كُلِّ جُزْءٍ فَلِمَ لَا يَقَعُ مَا لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعُ اسْتِحَالَتَهُ.
فَإِنْ قُلْت: التَّعْلِيقُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ اقْتَضَى تَأَخُّرَ الشَّرْطِ عَنْ الْمَشْرُوطِ فَكَانَ بَاطِلًا. قُلْت: الشَّرْطُ فِي اللَّفْظِ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: ٢٦] وَأَلْفُ مِثَالٍ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَعُمُّ وَهُوَ هُنَا الزَّمَانُ الَّذِي قَبْلَ الطَّلَاقِ الْمُنْجَزِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ قَامَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ. فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute