للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْتَ فَفِي نَذْرِ الْحَاجِّ لِمَ حَلَّتْ الْكَفَّارَةُ؟ . قُلْت؛ لِأَنَّهُ فِيهِ إيجَابٌ وَيَحْصُلُ بِتَرْكِهِ الْمَعْصِيَةُ فَلَوْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ شَرْعِ الْكَفَّارَةِ لِحُصُولِ الْعِصْيَانِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ فَهُوَ بِالْيَمِينِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ مَانِعًا لَهُمْ، إلَى آخِرِهِ. قُلْت الَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْحَلِفُ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ عَنْهُمْ مِمَّا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُجْعَلُ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْيَمِينِ جَاعِلًا اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ. هَذَا مِمَّا يَنْبُو الْفَهْمُ عَنْهُ.

وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْمُعْتَمَدِ عَلَى تَفْسِيرِهِمْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِهِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا قُلْته أَوَّلًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَقَوْلُهُ فِي الْإِيلَاءِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ دُخُولَ الْحَالِفِ بِالطَّلَاقِ فِي لَفْظِ الْآيَةِ بَلْ فِي حُكْمِهَا بِالْقِيَاسِ وَلَوْ سَلَّمْنَا وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦]- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيهِ مَقْصُودُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ هُنَا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مُولٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفِيءَ هَذِهِ الْفَيْئَةَ الْخَاصَّةَ وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَالْمَرْأَةُ إذَا تَحَقَّقَتْ أَنَّهَا مَتَى وُطِئَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ إنْ كَانَتْ رَاغِبَةً فِي الْوَطْءِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَاغِبَةٍ فِي الْوَطْءِ وَتَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الصُّحْبَةِ فَلَا تَطْلُبُهُ، وَالْفَيْئَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ التَّعَرُّضِ لَهُ.

وَقَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ بَلْ التَّعْجِيلُ إلَيْهَا قُلْنَا: التَّأْجِيلُ لَيْسَ لِأَجْلِهَا بَلْ لِأَجْلِهِ فَيُمْهَلُ هَذِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي لَا تَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ تُطَالِبُ بَعْدَ الْمُدَّةِ دَفْعًا لِضَرَرِهَا. وَأَمَّا أَنَّ التَّأْجِيلَ شُرِعَ لِنَفْعِ الْمَرْأَةِ فَلَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَتْوَى الصَّحَابَةِ فِيمَنْ قَالَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ قَدْ حَصَلَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَا يُحْتَمَلُ ذِكْرُهُ هُنَا. وَالْإِمَام أَحْمَدُ لَمْ يُثْبِتْهُ وَتَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ مَحْضَةً قَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءِ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرْت - أَنَا - قَرِيبًا مِنْهُ فِي التَّحْقِيقِ قَبْلَ أَنْ أَقِفَ عَلَى كَلَامِهِ فِيهِ وَلَكِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِهِ بَعْضُ الْمُبَايَنَةِ وَهُوَ أَنَّنِي - أَنَا - أَجْعَلُهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي نَذْرِ الْحَاجِّ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَالِفِ عَلَى الْحَجِّ مَثَلًا وَصَيْرُورَتُهُ كَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ بَلْ الشَّرْعُ نَزَّلَهُ مَنْزِلَتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>