للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا مَا شُرِعَ لِلْمُسْلِمِينَ الْحَلِفُ بِهَا أَوْ مَا يَتَعَارَفُ الْمُسْلِمُونَ الْحَلِفَ بِهِ وَجَرَتْ عَادَتْهُمْ بِهِ فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاق لَمْ يُشْرَعْ لِلْمُسْلِمِينَ الْحَلِفُ بِهَا بَلْ هِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت» وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَتَعَارَفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالْحَلِفِ بِهِ فَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ تَجْرِ عَادَةُ الْمُسْلِمِينَ حِينَ الْأَوَّلِ وَلَا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَلِفِ بِهَا وَهُوَ قَدْ سَلَّمَ، فَكَيْفَ يَقُولُ إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ بِعُرْفٍ طَارِئٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوٍ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً؟ ،، ثُمَّ إنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ فِي مَعْرِضِ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْأَيْمَانِ لَا فِي مَعْرِضِ تَبْيِينِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ وَأَنَّهَا مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ أَيْمَانِ غَيْرِهِمْ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] وَهِيَ أَعَمُّ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» وَالْخِطَابُ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ لِعُمُومِ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ أَحَدٍ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ يَدْخُلُ فِي حُكْمِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَكِنْ تَبَيَّنَّ بِدَلِيلٍ آخَرَ: أَنَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي لَا حُرْمَةَ لَهَا لَا يَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ فَعَلِمْنَا خُرُوجُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْحَدِيثِ بِالْأَدِلَّةِ الْخَاصَّةِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ حَتَّى نُهُوا.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَاللَّيْلِ) (وَالضُّحَى) (وَالشَّمْسِ) وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ» . قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ فَرْضَ الْكَفَّارَةِ لِئَلَّا تَكُونَ الْأَيْمَانُ مُوجِبَةً أَوْ مُحَرَّمَةً لَا مَخْرَجَ مِنْهَا فَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ كَانَتْ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ مَوْجُودَةً.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَفْسَدَةَ عَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ ارْتِكَابُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. وَقَدْ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ فَشُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ لِذَلِكَ، وَالْمَفْسَدَةُ هُنَا: وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى لَكِنَّ الْمَعْصِيَةَ أَشَدُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِ مِنْ كُلِّ مَفْسَدَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ. وَالْمَفْسَدَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْيَمِينِ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ وَحْدَهَا هِيَ الْمُلَاحَظَةُ بَلْ الْمَجْمُوعُ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>