مِنْ الْبِئْرِ خَشْيَةَ إثَارَةِ شَرٍّ عَلَى النَّاسِ، وَالْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ: فَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ " وَعَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا بَاعَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا وَجَعَلَتْ ثَمَنَهَا فِي الرِّقَابِ، وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَحَفْصَةَ عَلَى السِّحْرِ الَّذِي فِيهِ كُفْرٌ، وَمَا يُقَالُ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى السِّحْرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كُفْرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْحَدِيثُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا عُمْدَةً لَهُ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا وَجَبَ اتِّبَاعُ أَشْبَهِهِمْ قَوْلًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكُفْرُ الْقَتْلِ عَمَّنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ كُفْرٌ وَلَا قَتْلٌ وَلَا زِنًا أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ سُئِلَ الزُّهْرِيُّ شَيْخُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ السَّاحِرَ إنْ تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتَقَدَهُ قُتِلَ إجْمَاعًا فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَسَقَطَ الْقَتْلُ عَنْهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَسْقُطُ، وَحُكْمُهُ عِنْدَهُمَا حُكْمُ الزِّنْدِيقِ وَإِنْ قَتَلَ بِسَحَرِهِ قُتِلَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُقْتَلُ وَالْأَوْلَى مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَيْسَ فِي الْآثَارِ عَنْ الصَّحَابَةِ تَصْرِيحٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَصْرِيحِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مُخَالَفَةٌ دَفْعًا بِثَلَاثَتِهِمْ بِتَتَبُّعِ الدَّلِيلِ، وَمِمَّنْ أُطْلِقَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِقَتْلِ السَّاحِرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنَتُهُ حَفْصَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَجُنْدُبٌ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. كَتَبَهُ فِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. .
(مَسْأَلَةٌ) رَجُلُ نُسِبَ إلَيْهِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَهُوَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ عَلَى خَيْرٍ وَطُلِبَ مِنْ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ بَيِّنَةٌ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا وَقَصَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ خَشْيَةً مِنْ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةُ زُورٍ عِنْدَ حَاكِمٍ مَالِكِيٍّ فَلَا تُقْبَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute