تَوْبَتُهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ إذَا جَدَّدَ هَذَا الرَّجُلُ إسْلَامُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَكِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ، ثُمَّ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ . (أَجَابَ) الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الَّذِي مِنْ مَذْهَبِهِ قَبُولُ التَّوْبَةِ إذَا تَلَفَّظَ هَذَا الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ مِنْهُ الْحُكْمَ لَهُ وَقَدْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى اعْتِرَافِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَرِيئًا فَإِلْجَاؤُهُ إلَى الِاعْتِرَافِ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافٍ مَا وَقَعَ مِنْهُ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ وَلَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَيْضًا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَلْ يَحْكُمُ الْقَاضِي مُسْتَنِدًا إلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ الْعَاصِمَةِ لِلدَّمِ الْمَاحِيَةِ لِمَا قَبْلَهَا وَيَمْنَعُ بِحُكْمِهِ ذَلِكَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ. وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ الْآنَ وَعِصْمَةَ دَمِهِ أَمْرُ حَقٍّ مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ فَإِسْلَامُهُ مُسْتَمِرٌّ وَعِصْمَتُهُ مُسْتَمِرَّةٌ وَإِنْ كَانَ صَدَرَ مِنْهُ فَشَهَادَتُهُ بِالْإِسْلَامِ الْآنَ مَاحِيَةٌ لَهُ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ ثَابِتَةً عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَازِمَةً لِلنَّقِيضَيْنِ، وَلَازِمُ النَّقِيضَيْنِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ حَقًّا وَالْحُكْمُ بِالْحَقِّ حَقٌّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ» فَإِنْ قُلْت: إنْ تَأَتَّى لَكَ هَذَا فِي الْعِصْمَةِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ إنْشَاءٌ وَالْإِنْشَاءُ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الْآنَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لَوْ سَبَقَهُ كُفْرٌ وَمَعَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ كَيْفَ نَحْكُمُ؟ وَأَيْضًا الْحُكْمُ بِالْعِصْمَةِ إنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِسْلَامِ الْمُسْتَمِرِّ لَمْ يُفِدْ مَنْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ مَا نُسِبَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى هَذَا الْإِسْلَامِ عَادَ السُّؤَالُ؟ . قُلْت يَتَأَتَّى فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا الْعِصْمَةُ فَلِاسْتِنَادِهَا إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَقْطُوعِ بِأَحَدِهِمَا، وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ فِي تَعْيِينِهِ وَلَهُ شَوَاهِدُ: مِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِعِشْرِينَ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَهَا بِعَشْرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا حَلَفَ ثَبَتَتْ الْجَارِيَةُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَرْفُقَ الْحَاكِمُ بِالْأَمْرِ لِلْمَأْمُورِ فَيَقُولُ: إنْ كُنْت أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَهَا بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُك إيَّاهَا بِعِشْرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute