للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَقُولُ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْت لِيَحِلَّ لَهُ الْفَرْجُ.

قَالَ الْأَصْحَابُ إنْ جَزَمَ الْبَيْعَ صَحَّ وَإِنْ عَلَّقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ صَحَّ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَأَقُولُ إذَا فَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ وَطَلَبَ مِنْهُ الْوَكِيلُ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ مِلْكِهِ لِلْجَارِيَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ. نَعَمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ الَّذِي صَدَرَ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْحُكْمَ الظَّاهِرَ لِلْوَكِيلِ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِالْمِلْكِ وَالْحَلِّ وَصِحَّةُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِهَا وَمُسْتَنَدُ الْقَطْعِ الْعِلْمُ بِسَبَبِهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ وَلَا بِالْمِلْكِ الْبَاطِنِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ. فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَمِثْلُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِعِصْمَةِ دَمِ هَذَا الرَّجُلِ وَكَوْنِهِ مُسْلِمًا مُسْتَنِدًا إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْإِسْلَامُ الْمُسْتَمِرُّ وَإِمَّا الْمَوْجُودُ الْآنَ وَأَحَدُهُمَا مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَهُوَ أَحَدُهُمَا فَأَيُّ بَيَانٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَإِذَا ظَهَرَ الْحِلُّ وَالْمِلْكُ الْبَاطِنُ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ شِئْنَا نَقْتَصِرُ وَنَكْتَفِي بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَنَقُولُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَوْجُودِ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ نَظِيرُ الْبَيْعِ الصَّادِرِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لَكِنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهَا لِلْوَكِيلِ فِي الظَّاهِرِ يَمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ شِئْنَا نَزِيدُ وَنُفَرِّقُ وَنَقُولُ: إنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ هُنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْإِسْلَامِ الْمَوْجُودِ الْآنَ مَعَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ تَقَدَّمَهُ كُفْرٌ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ قَابِلٌ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَإِنْ وُجِدَ بِشُرُوطِهِ مِنْ مِلْكٍ كَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا كَانَ فَاسِدًا وَالشَّكُّ فِي الْمِلْكِ يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي الصِّحَّةِ بِلَا إشْكَالٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يَكُونُ إلَّا صَحِيحًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ، وَالتَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ إمَّا إقْرَارٌ كَقَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَإِمَّا إنْشَاءٌ كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

وَهَذِهِ الصِّيغَةُ هِيَ الَّتِي بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ تَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْشَاءَ وَمَعْنَى الْإِقْرَارِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا وَمَعْنَى الْإِنْشَاءِ مَعْرُوفٌ كَالشَّهَادَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ وَبِأَيِّ مَعْنًى فُرِضَ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ وَإِنْشَاءٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَى صِحَّتِهِ تَرَتُّبُ أَثَرِهِ عَلَيْهِ وَمِنْ آثَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>