للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِصْمَةُ الدَّمِ وَجَبُّ مَا قَبْلَهُ فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَتَرَتَّبُ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَيْهِ وَسَبَبُ الِاحْتِيَاجِ إلَى حُكْمِهِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ وَقَسَّمُوا الْكُفَّارَ إلَى أَقْسَامٍ مِنْهُمْ مَنْ يَصِيرُ بِبَعْضِ الْأَلْفَاظِ مُسْلِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ زِيَادَةٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِالْإِسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ الْمَوْجُودِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَافٍ فِي صَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا فَحُكْمُ الْقَاضِي بِذَلِكَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِي مَحَلَّيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي اشْتِرَاطِ لَفْظٍ آخَرَ، وَالثَّانِي فِي إبَاحَةِ دَمِهِ بِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَمْ جَهِلَ وَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقَاضِي رَفْعِ الْخِلَافِ وَلَوْ اُشْتُرِطَ لَمْ يَضُرَّ هُنَا؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَالْقَاضِي إنَّمَا حَكَمَ لِيَدْرَأَ عَنْهُ الْقَتْلَ بِمَا عَسَاهُ يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ إسْلَامٌ صَحِيحٌ، وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِسْلَامِ سَبْقُ دَمٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إسْلَامٌ، سَوَاءٌ أَصَدَرَ مِنْ كَافِرٍ يَنْتَقِلُ بِهِ عَنْ الْكُفْرِ أَمْ مِنْ مُسْلِمٍ مُسْتَمِرِّ الْإِسْلَامِ حَتَّى إنِّي أَقُولُ: إنَّ الذَّاكِرَ بِلَفْظِهِ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْدَرِجَ ذِكْرُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» فَيَجُبُّ هَذَا الْإِسْلَامُ الْمَعَاصِيَ السَّابِقَةَ عَلَيْهِ وَفِي فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَخُصُّهُ بِالصَّغَائِرِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ فِي الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ.

وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ سَبَبُ أَنَّ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي هَذَا حَتَّى نُقَرِّرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْبَيْعِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْلَى مِنْ الْبَيْعِ بِأَنْ نَحْكُمَ بِتَرَتُّبِ أَثَرِهِ، وَمِنْهَا إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَوْ لَا؟ فَالْوَرَع أَنْ يُرَاجِعَ فَلَوْ رَاجَعَ وَاسْتَمَرَّتْ حَتَّى مَضَى عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ، ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَ وَأَرَادَتْ الْحُكْمَ بِالْبَيْنُونَةِ وَأَرَادَ هُوَ الْحُكْمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَيَرْفَعُ بِالرَّجْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ أَثَرَ الطَّلَاقِ الَّذِي قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَ حِينَ الرَّجْعَةِ شَاكًّا فِي صِحَّتِهَا فَهَكَذَا هُنَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَذَا بَعْدَ هَذَا الْحُكْمِ بِأَنَّهُ كَانَ صَدَرَ مِنْهُ كُفْرٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ ارْتَفَعَ أَثَرُهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِهِ كَانَ حُكْمًا صَحِيحًا مَانِعًا مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ مَالِكِيٍّ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ وَلْيُفْرَضْ فِي الرَّجْعَةِ مِثْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَاجَعَهَا وَحَكَمَ الْقَاضِي بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَكَانَ شَكَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِلَفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>