شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ قِيلَ: إنْ أَقَرَّ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكْشِفْ عَنْ غَيْرِهِ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ: فَصْلٌ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رِدَّةِ شَخْصٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: كَذِبَا فِي شَهَادَتِهِمَا وَقَالَ مَا ارْتَدَدْت فَالشَّهَادَةُ مَسْمُوعَةٌ وَالْحُكْمُ بِالرِّدَّةِ نَافِذٌ وَلَا يُقْبَلُ تَكْذِيبُهُ الشَّاهِدَيْنِ وَيُقَالُ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ فَجَدِّدْ الْإِسْلَامَ فَإِذَا فَعَلَ زَالَ حُكْمُ الرِّدَّةِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَأَثَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَقَدْ بَانَتْ بِالشَّهَادَةِ، وَتَجْدِيدُ الْإِسْلَامِ لَا يَرْفَعُ الْحُكْمَ، وَلَكِنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمُرْتَدِّ يُسْلِمُ وَإِنْ قَالَ: كُنْت مُكْرَهًا فَإِنْ صَدَّقَتْهُ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَا يُقْتَنَعُ مِنْهُ بِهَذَا حَتَّى يُقِرَّ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا. وَعَنْ الْحَاوِي فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَكْشِفْ عَنْ غَيْرِهِ: وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْكَشْفُ عَمَّا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ رِدَّتِهِ، وَالثَّانِي الْكَشْفُ عَنْ بَاطِنِ أَثَرِهِ؛ لِأَنَّ سَرَائِرَ الْقُلُوبِ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ حَكَى نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِرِدَّتِهِ وَادَّعَتْ ذَلِكَ زَوْجَتُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ حَكَمَ بِإِسْلَامِهِ بِوَصْفِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهَا فَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ: وَإِنْ حَكَمَ بِإِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ. فَهَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ تَشْهَدُ بِمَا قُلْنَاهُ فَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرِّدَّةِ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ فَيُحْكَمُ بِبَيْنُونَةِ امْرَأَتِهِ وَحِرْمَانِهِ عَنْ إرْثِ حَمِيمٍ لَهُ إنْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ أَقْرَرْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَتَبَرَّأْت عَنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ وَالتَّبَرُّؤُ عَنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَام احْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ مُطْلَقًا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ.
نَقَلَ الْإِمَامُ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْعُقُودِ وَالظَّاهِرُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْقَضَاءُ بِهَا. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رِدَّتِهِ فَقَالَ: كَذِبَا أَوْ مَا ارْتَدَدْت قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَمْ يُغْنِهِ التَّكْذِيبُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا وَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي بَيْنُونَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute