للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ حَكَمَ ذَهَابًا إلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ أَوْ أُشْكِلَ الْحَالُ فَفِي جَوَازِ النَّقْضِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بَلْ يُقَرُّ فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ فَمَنْ لَمْ يُقْصَدْ بِحُكْمِهِ مَنْعُ مَا يُتَوَقَّعُ ثُبُوتُهُ فَكَيْفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَصَدَ الْحَاكِمُ بِحُكْمِهِ عِصْمَةَ الْمَحْكُومِ لَهُ عَمَّا نُسِبَ إلَيْهِ وَيُتَوَقَّعُ ثُبُوتَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ لَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ خِلَافِهِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْحُكْمِ كَانَ حُكْمًا صَحِيحًا رَافِعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مَقْطُوعًا بِهِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّرَ وَيُعْتَنَى بِهَا فَإِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي الْفَقِيهُ بُرْهَانُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ شَمْسَ الدِّينِ أَحْمَدَ السُّرُوجِيَّ الْحَنَفِيَّ أَشْهَدَهُ وَالْفَقِيهَ عِزَّ الدَّيْنِ عَبْدَ الْعَزِيزِ النَّمْرَاوِيَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِعِصْمَةِ دَمِ الْقَايَاتِيِّ الْمَالِكِيِّ لَمَّا نُسِبَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِي مِصْرَ وَالْتَمَسَ مِنْهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ فَذَهَبَ الْفَقِيهَانِ الشَّافِعِيَّانِ إلَى تَقِيِّ الدِّينِ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُمَا: وَأَيْشٍ هَذَا الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ اذْهَبَا إلَى الْقَايَاتِيِّ وَاشْهَدَا عَلَيْهِ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ وَتَعَالَيَا فَذَهَبَا إلَيْهِ وَشَهِدَا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَا إلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فَشَهِدَا عِنْدَهُ فَقَالَ: اشْهَدَا عَلَى أَنَّنِي حَكَمْت بِعِصْمَةِ دَمِهِ حُكْمًا مُبْتَدَأً لَا تَنْفِيذًا؛ وَهَذَا مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمَّا أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ عَدَمِ نَظَرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنِّي كُنْت مُغْتَبِطًا بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ كَثِيرًا وَكُنْت أَسْتَعْمِلُهَا حَتَّى نَظَرْتُ الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَوَجَدْت الْحَقَّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ.

وَمِنْهَا إذَا بَاعَ خَادِمَةً فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي وَحَلَفَ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لِلْبَائِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْجَاحِدِ: إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا فَاسْتَقِلْهُ وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ إنْ كُنْت بِعْتهَا مِنْهُ فَأَقِلْهُ لِيَحِلَّ لِلْبَائِعِ بَاطِنًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا لَا يَحِلُّ. وَالثَّانِي أَنَّ الْجُحُودَ رَدٌّ فَيَقْبَلُ الْبَائِعُ الرَّدَّ لِتَحِلَّ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ بِالتَّعَذُّرِ كَرُجُوعِ غَرِيمِ الْمُفْلِسِ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَلَفُّظِ الْقَاضِي هُنَا كَمَا سَبَقَ مِثْلُهُ الْوَكَالَةُ، وَمِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>