كَالْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ سَأَلَ وَتَعَاطَى بَعْضَ السَّبَبِ أَعْلَى مِمَّنْ سَأَلَ فَقَطْ وَعُمَرُ حَصَلَ لَهُ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا سُؤَالُهُ الشَّهَادَةِ الْعُلْيَا وَالثَّانِي حُصُولُ الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً فَلَهُ أَجْرُ الثَّانِيَةِ حَقِيقَةً عَلَيْهَا وَلَهُ أَجْرُ الْأُولَى بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَالسُّؤَالِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ سَأَلَ الشَّهَادَةَ الْعُلْيَا لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْأَكْمَلَ لَكِنْ اكْتَفَى فِي اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ بِحُصُولِ الِاسْمِ وَسَأَلَ الْمَوْتَ فِي بَلَدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ شَيْءٌ ثَالِثٌ لِيَكُونَ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا، وَفِيهِ أَمْرٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ بَلْ عَلَى الدِّينِ فَهُوَ كَقَتْلِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَيْسَ كَمَنْ قَتَلَهُ عَدُوٌّ لَهُ ظُلْمًا عَلَى عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الشَّهِيدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَكَا فِي أَنَّهُمَا إنَّمَا قُتِلَا لِقَصْدِهِمَا إعْلَاءَ كَلِمَةِ الدِّينِ وَإِظْهَارَ الدِّينِ وَقَاتِلُهُمَا قَصَدَ ضِدَّ ذَلِكَ وَإِخْفَاءَ دِينِ اللَّهِ فَهُوَ صَادٌّ عَلَى اللَّهِ.
وَهَذَا مَعْنَى آخَرُ لَمْ نَذْكُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيُتَنَبَّهُ لَهُ فِي الشَّهِيدِ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعْنَاهُ فِي طَرِيقٍ اسْتَعْمَلَهُ اللَّهُ فِيهَا نُصْرَةً لِدِينِهِ فَهُوَ عَبْدٌ سَارَ فِي طَرِيقِ سَيِّدِهِ لِتَنْفِيذِ أَمْرِهِ حَتَّى غَلَبَهُ عَدُوُّ سَيِّدِهِ لَا لِدَخَلٍ بَيْنَهُمَا بَلْ عَدَاوَةٌ لِلسَّيِّدِ أَلَيْسَ السَّيِّدُ يَغَارُ لَهُ وَاَللَّهُ أَشَدُّ غَيْرَةً وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِهِ صَادِقًا، ثُمَّ مَاتَ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ» وَقَالَ أَيْضًا «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» .
إذَا عَرَفْت حَقِيقَةَ الشَّهَادَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا أَسْبَابًا أَحَدُهَا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، الثَّانِي - أَسْبَابٌ أُخَرُ وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَجَدْنَا فِي السَّبَبِ الْأَوَّلِ أُمُورًا لَيْسَتْ فِيهَا فَلَمَّا رَأَيْنَا الشَّارِعَ أَثْبَتَ اسْمَ الشَّهَادَةِ لِلْكُلِّ وَجَبَ عَلَيْنَا اسْتِنْبَاطُ أَمْرٍ عَامٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَهُوَ الْأَلَمُ بِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ خَارِجٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاتِبُ وَانْضَمَّ إلَى بَعْضِهَا أُمُورٌ أُخَرُ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَأُمُورٌ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ قِتَالُهُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. وَاَلَّذِي قَاتَلَ شَجَاعَةً أَوْ رِيَاءً أَوْ حَمِيَّةً لَيْسَ قِتَالُهُ لِلَّهِ فَلَيْسَ فِي سَبِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute