للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَكِنَّ فَضْلَ اللَّهِ وَاسِعٌ قَدْ يَرْفَعُ الصَّغِيرَ إلَى دَرَجَةِ الْكَبِيرِ أَوْ يُدْنِيهِ مِنْهُ تَفَضُّلًا فَالشُّهَدَاءُ كُلُّهُمْ هَذَا وَاَلَّذِينَ يَأْتِي ذِكْرُهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي رُؤْيَةِ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي حُضُورِ مَلَائِكَةِ الرِّضَا لَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَسْبَابُ لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي الْأَلَمِ وَالْيَأْسِ مِنْ الْحَيَاةِ لَوَارِدٍ عَلَى النَّفْسِ مُمَلَّكٌ لَهَا فَلِذَلِكَ ذَكَرْنَا الْحَدَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِيقَتِهَا لِيَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ فَالْحَقِيقَةُ وَاحِدَةٌ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَاحِدٌ وَالصُّورَةُ مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا كَثِيرًا أَعْلَى وَأَدْنَى وَأَوْسَطَ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: ١٠٠] الْآيَةَ. فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ فِي الْهِجْرَةِ لَا فِي الْجِهَادِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ فِيهِ وُقُوعُ الْأَجْرِ لَا الِاسْمِ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ شَخْصًا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِقَصْدِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ كَمَا فِي الْمُهَاجِرِ وَهَلْ هُوَ كَالْمُجَاهِدِ حَقِيقَةً أَوْ دُونَهُ؟ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الْكَلَامِ فِيهِ، وَلَكِنْ نَقُولُ فِيهِ إنَّهُ لَا يُسَمَّى شَهِيدًا وَلَا أَنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لِلشَّهِيدِ مِنْ شُهُودِهِ الْكَرَامَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَرِدْ فِيهِ أَوْ تُسَمَّى سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا لِلْمَقْتُولِ ظُلْمًا وَالْمَطْعُونِ وَالْمَبْطُونِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَأْتِي ذِكْرُهُ وَلِوُرُودِ النَّصِّ بِإِطْلَاقِ الِاسْمِ، وَدَعْ يَكُونُ الْمَيِّتُ فِي طَرِيقِ الْجِهَادِ أَكْثَرَ أَجْرًا إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَخَوَاصُّ الشَّهِيدِ لَا نُثْبِتُهَا إلَّا لِمَنْ وَرَدَ النَّصُّ بِإِطْلَاقِهَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَكْثَرَ أَجْرًا أَمْ لَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي رُتْبَتِهَا فَالْمُجَاهِدُ الَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ اسْمُ الشَّهِيدِ وَالْخَاصَّةُ الْحَاصِلَةُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْأَجْرُ الْحَاصِلُ فِي الْآخِرَةِ، وَاَلَّذِي خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَمَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهَا يُشَارِكُهُ فِي أَصْلِ أَجْرِ الْجِهَادِ وَفَضْلِ الشَّهَادَةِ بِلَا شَكٍّ بِالْقِيَاسِ وَبِالْأَوَّلِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الْأَجْرِ فَفِيهِ نَظَرٌ قَدْ يُقَالُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ وَلَا نَجْزِمُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ فَضْلَ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَأَمَّا وُقُوعُ اسْمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ وَأَمَّا ثُبُوتُ تِلْكَ الْحَالَةِ لَهُ فَالْأَمْرُ فِيهَا مُحْتَمَلٌ مِنْ بَابِ الْأَجْرِ الْمُرَتَّبِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ اسْمُ سَبَبِهَا. وَالْكَلَامُ فِيمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ مِنْ قَلْبِهِ صَادِقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>