للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا كَلَامُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لَا يُكَفِّرُ تَبَاعَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ مِنْ حُقُوقِ بَنَى آدَمَ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَتْبَعُهُ بِمَظْلِمَةٍ» وَذَكَرَ أَحَادِيثًا كَثِيرَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَهُ فِي الدُّنْيَا يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ.

ثُمَّ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّيْنِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَاتِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ {بَرَاءَةٌ} [التوبة: ١] وَفِيهَا الزَّكَاةُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ عِيَالًا فَعَلَيَّ» فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَقَدْ أُدَانَ دَيْنًا فِي مُبَاحٍ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَى أَدَائِهِ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوْ مِنْ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا إنْ جَوَّزَ وَضْعَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ الْفَيْءِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَعَلَيَّ قَضَاؤُهَا» يُحْتَمَلُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عُمُومُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ كَانَ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ حُقُوقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ دَيْنَهُ وَيُخْلِصَ مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْغَرِيمُ أَوْ السُّلْطَانُ وَقَعَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُحْبَسْ عَنْ الْجَنَّةِ بِدَيْنٍ لَهُ مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى غَرِيمٍ جَحَدَ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى الْغَرِيمِ وَلَمْ تَفِ بِذَلِكَ حَسَنَاتُهُ فَيُحْبَسُ عَنْ الدَّيْنِ بِسَبَبِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ الْجَنَّةِ مَنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَسَنٌ فِيمَنْ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَظِيرُ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ كَذَلِكَ وَفِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَنْبِيهٌ حَسَنٌ فِيمَنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ الْأَئِمَّةُ الْعَادِلُونَ لِذَلِكَ بَلْ وَالْقُضَاةُ الَّذِينَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ الزَّكَاةُ وَمِنْهَا سَهْمُ الْغَارِمِينَ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا فِيمَنْ لَهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَأَتْلَفَهُ عَلَى رَبِّهِ عَنْ عِلْمٍ أَوْ ذِمَّةٍ وَمَلَّاهُ وَاسْتَدَانَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>