للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي غَيْرِ وَاجِبٍ وَتَحْذِيرٍ أَوْ فَسَدَ بِهِ الْمَرْءُ فَسَارِعْ فِي إتْلَافِ مَالٍ بِهَذَا الْوَجْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ قَوْلِهِ «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ» .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَذِكْرُهُ الدَّيْنَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْغَصْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ وَجِرَاحَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّبَاعَاتِ لَكِنْ هَذَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ مَعَ تَمَكُّنِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ سَبِيلًا فَالْمَرْجُوُّ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا صَدَقَ فِي قَصْدِهِ وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ أَنْ يُرْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى خُصُومَهُ عَنْهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الدُّنْيَوِيَّةَ هِيَ الَّتِي تُنْسَخُ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ.

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ قَضَى دَيْنَ مَنْ مَاتَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَانَ خَاصًّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّ التَّشْدِيدَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الدَّيْنِ كُلَّهَا مَنْسُوخَةٌ إلَّا مَنْ أَدَانَ فِي سَرَفٍ أَوْ فَسَادٍ، وَذُكِرَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ «قِيلَ: لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَمَنْ لَنَا بَعْدَك قَالَ يَأْخُذُ اللَّهُ الْوُلَاةَ لَكُمْ بِمِثْلِ مَا يَأْخُذُكُمْ بِهِ» . هَذَا كَلَامُ الْمَالِكِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا قَضَاءَ دَيْنِ مَنْ مَاتَ قَادِرًا وَإِنَّمَا ذَكَرُوا قَضَاءَ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ وَأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: كَانَ يَقْضِيهِ تَكَرُّمًا لَا وُجُوبًا، وَهَلْ عَلَى الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ قَضَاءُ دَيْنِ الْمُعْسِرِينَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُسَاعِدُ الْمَالِكِيَّةَ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْإِرْضَاءُ بِالْحَسَنَاتِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ فَيَقْتَضِي تَارَةً تَأَخُّرَ دُخُولِ الشَّهِيدِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرْضَى خَصْمُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَنْعَمَ رُوحُهُ فِي غَيْرِ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، نَعَمْ إذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ خَصْمِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ وَاقْتَضَى ذَلِكَ دُخُولَ النَّارِ، هَلْ نَقُولُ إنَّهُ يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا وَإِذَا دَخَلَ وَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهُ إلَّا بِالدَّيْنِ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ؟ اللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَعَلَّ اللَّهَ يُرْضِي خَصْمَهُ بِمَا شَاءَ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ هَكَذَا حُكْمُ تَبِعَاتِ الْآدَمِيِّينَ.

أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا تُغْفَرُ كُلُّهَا بِالشَّهَادَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُعْتَقَدُ ذَلِكَ لَكِنَّا لَانْقَطَعَ بِعَدَمِ دُخُولِهِ النَّارَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ ظَنِّيَّةٌ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>