للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ مَاذَا بَيْنَ قَتَادَةَ وَحَفْصِ بْنِ عُمَرَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ وَتَكَلَّمَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاسِمُ إذَا اللَّهُ انْتَهَى عِنْدَ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَقِفُوا عِنْدَهُ، قَالَ فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نَارٌ فَانْطَفَأَتْ، هَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ لَا يَجُوزُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُوَافَقٌ عَلَيْهِ أَوْ لَا، وَإِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَ فَمَا حِيلَةُ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ فِي صِحَّةِ إيمَانِهِ، وَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُحَرَّرُ فِي ذَلِكَ؟ . أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.

(أَجَابَ) الْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يَقُلْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَلَا قَالَهُ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالسَّائِلُ مَعْذُورٌ فِي غَلَطِهِ فَإِنَّ لَفْظَ التَّقْلِيدِ مُشْتَرَكٌ وَالْعُلَمَاءُ قَدْ أَطْلَقُوا كَلِمَاتٍ رُبَّمَا تَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْهَا ذَلِكَ، وَأَنَا أُثْبِتُهَا لَكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ بَيَانِ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ لَفْظَ التَّقْلِيدِ يُطْلَقُ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَرُبَّمَا قَبِلَ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَرُبَّمَا قِيلَ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِخَبَرٍ مِنْ أَيْنَ يَقُولُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِلتَّقْلِيدِ أَنَّهُ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ لَا الْمُوجِبُ وَرُبَّمَا قِيلَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لَا الْمُوجِبُ.

إنْ عَرَفْت مَعْنَى التَّقْلِيدِ فَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ ظَنًّا وَقَدْ يَكُونُ وَهْمًا كَمَا يُرَى فِي تَقْلِيدِ إمَامٍ فِي فَرْعٍ مِنْ الْفُرُوعِ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي خِلَافِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ، وَإِذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يَكْفِي فِي أُصُولِ الدِّينِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ هَذَا. وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لَا الْمُوجِبُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ إلَّا أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ انْفَرَدَ بِذَلِكَ عَنْ طَائِفَتِهِ وَسَائِرِ طَوَائِفِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَخَالَفَ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ لَا يَصِحُّ وَأَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ نَجِدْ لَهُ مُوَافِقًا إلَّا أَبَا هَاشِمٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَحْمِلَ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ.

وَمَنْ قَالَ: إنَّمَا إيمَانُ الْمُقَلِّدِ لَا يَصِحُّ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ مُصَمَّمٍ فَكَلَامُهُ صَحِيحٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا مَنْ شَذَّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>